د. عادل محمد عايش الأسطل
الكل في إسرائيل، يعلم بأن هناك مواجهة قادمة باتجاه تنظيم حزب الله اللبناني، وسواء كانت نتيجةً احتكاكات عسكرية، أو بناءً على رغبة إسرائيلية في شن حملة انتقامية ضد التنظيم، أو لتفادي نموّه وتطوره العسكري، في ظل مشاهدتها له وهو يكتسب عضلات إضافية، والتي تربو بمباركة ودعمٍ إيرانيين، سيما وأنها تعتبر أن حفاظها على هدوء الحدود، وصبرها على التنظيم من غير حرب، لن يصبّا في صالحها، وسيضران بها ذات يومٍ، ولذلك فهي لا تترك لحظةً تمُر دون قيامها بالتدريبات اللازمة، وهي ترفع صوتها بأن الحرب لن تكون مشابهة للحروب الفائتة، برغم أنها كانت مُدمّرة، وأوقعت آلافاً من الشهداء، معظمهم من المدنيين.
لكن بالمقابل، فهي أيضاً لا يغيب عن بالها وضع حسابات مماثلة، لا تقل عن التي تهدد بها، فعلاوةً على معرفتها بقوّة التنظيم العسكرية المعتادة، والتي تقدّر ما بين 60 – 80 وربما تصل إلى 100 ألف من الصواريخ البالستيّة، مختلفة الطرز والمديات، ومتجهةً لأهدافها، فإنها تعلم أيضاً بأن لدى التنظيم، ثلاث وسائل عسكرية رئيسة على الأقل، توجب عليها أخذها في الاعتبار، بسبب أنها تُعادل قوّتها العسكرية بما فيها النووية، وهي: تواجد الحرس الإيراني بمحاذاة حدودها مع سوريا، وإن باعتبارها قوّة معنوية على الأقل، سيما وأن إسرائيل تعتبر تواجده يشكل تطوراً خطِراً عليها، والذي بالتأكيد لم يأتِ إلى هذه المنطقة بيدين فارغتين.
كما أن ظاهرة الأنفاق المتجهة جنوباً نحو العمق الإسرائيلي، والتي لا يُستبعد بالمطلق أن تكون بأعداد وافرة، خاصةً وأنها أثبتت نجاعة قتالية مُخيفة، إبان عدوان – الجرف الصامد- أوائل يوليو/تموز الماضي، ولا حلّ لها في نفس الوقت. والثالثة، وهي التي توضحت في تأكيد الأمين العام للتنظيم “حسن نصر الله” لتكهنات العسكريين الإسرائيليين وفي البنتاغون أيضاً، – كورقة لعب جديدة- من أن لدى حزبه صواريخ الفاتح- 110، باعتبارها من أسلحة الحزب المقبلة، وهذا التأكيد لم يُرسِ القلق لديها، بقدر تغلغل القلق الأكبر، الذي نتج بعد الكشف عن أن امتلاك هذا النوع من الصواريخ، كان منذ 2006، وليس كما التقديرات الفائتة، وهي التي تسجّلت في العام 2012، وربما كان قوله صحيحاً، بسبب أن التنظيم كان عمله الصاروخي متدرجاً خلال عدوان يوليو/تموز 2008، ووقف العدوان، هو الذي أوقف انطلاقها، وهذا ما تخشاه إسرائيل، سيما وأن بإمكان هذه الصواريخ تغطية أرجائها بسهولة وفي حدود 300 كم، وبقوّة تدمرية هائلة، إلى جانب وسيلة اللجوء إلى مواصلة شن هجمات ضد أشخاص ومصالح إسرائيلية في الخارج، كما حدث في عدد الدول الأوروبية، ويمكن إضافة قيامه بتدبير مصائد ضد الجيش الإسرائيلي، كما حدث ضمن عمليات عسكرية، وكان آخرها عملية مزارع شبعا، أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فهذه وغيرها مجتمعة هي وسائل عسكرية، لا يمكن لإسرائيل المجازفة بمواجهتها كما في الحروب السابقة، والتي في الأساس، لم يتحقق منها القدر الأدنى من الانتصار، بل خرجت منها بشعور بالإخفاق، إن لم يكن بالهزيمة، وسواء التي بادرت بها باتجاه حزب الله، أو التي أشعلتها باتجاه المقاومة في قطاع غزة، وكان الشيء الوحيد الذي قلل من آلامها ووجدت فيه عزاءها، هو استطاعتها – ولا تزال- في إحداث فجوة بعد أخرى، بين التنظيم وحركات المقاومة في الجنوب وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والتي توضحت بعدم قدرتهما في اشتراكهما معاً في مواجهتها، برغم الحديث المتشابه عن عدو مشترك، وعن أن هناك انسجاماً متزايداً يحدث فيما بين التنظيم والحركات الفلسطينية المقاتلة.
إسرائيل، لا تكاد تنام ولا تصحو، بسبب دوامها على اتباع كل وسيلة ممكنة باتجاه إضعاف التنظيم، وسواء كان بتأليب الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، أو بمهاجمته من الداخل بواسطة عملاء وجواسيس، أو بإدامة مراقبة نشاطاته السياسية والعسكرية، وأهمها فيما يختص بتدفق صواريخ إيرانية إلى قواعده، وكانت قد استخدمت كل تلك الوسائل، بما فيها، تنفيذ غارات هجومية متفرقة، ضد أهداف عسكرية في سوريا، وعلى حدودها مع لبنان، منذ بداية الأزمة السورية في مارس/آذار 2011، وكان آخرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي بالقرب من العاصمة دمشق، والتي استهدفت مخازن أسلحة، تقول بأنها تابعة للتنظيم أو له صلة بها، برغم أنها لم تشأ الاعتراف بها كلّها.
التنظيم، وكعادته لم يفتر من نشر تهديداته باتجاه إسرائيل، ولم ينقطع عن إثارة موجات متلاحقة من القوّة، ليس العسكرية فقط، بل المخابراتية أيضاً، حتى برغم انشغاله بالحرب السورية، وكان أكّد مراراً من أنه يراقب التحركات السياسية الإسرائيلية وتطوراتها الميدانية على مدار الوقت، وكان أكّد “نصر الله” بأن لدى حزبه جهوزيّة تامة، لمواجهة أي حرب إسرائيلية محتملة، بما فيها نقل الحرب إلى داخل العمق الإسرائيلي.
القيادتان السياسية والعسكرية في إسرائيل غير مسرورتين، أمام التعاظم العسكري لحزب الله، ولا لتهديداته المتلاحقة، وتبديان غضباً أكثر باتجاه اللامبالاة التي تبديها الولايات المتحدة إزاءهما، بسبب اختلاف رؤيتها في طريقة المعالجة، سيما وأن واشنطن ما فتئت تكتم غيظها، أمام طهران من أجل التوصل إلى تسويةٍ لملفها النووي، باعتبارها آخر فصول التكتيك المعلنة، التي ترمي إلى منع الحاجة إلى إجراءات عسكرية مُكلفة، ومن الواضح، وحتى في ضوء تنسيقٍ ما، فإن واشنطن لا تنوي تسخين الأمور، وستقترح على حليفتها كما في كل مرّة، بأن تظل الأمور على حالها، وهو الأمر الذي سيضع إسرائيل بين خيارات، تتعادل مع بعضها في الصعوبة والمرارة، وهي: إمّا قبول السياسة الأمريكية باستمرار الهدوء، والذي يُعتبر من الفرص المُهداة، التي يستطيع التنظيم خلالها من مضاعفة قدراته العسكرية والقتالية، وإمّا الاكتفاء بتكثيف المراقبة وشن هجمات، بحيث لا ترقي إلى الحدود التي توجب إشعال الحرب، وهي قليلاً ما تكون ناجحة بسبب أن قوافل عسكرية متتالية كان مرورها ناجحاً باتجاه قواعده، وإمّا التخطيط للقيام بحرب شاملة، وهذا أمرٌ قد يجرّ إسرائيل برمّتها نحو الهاوية، سيما وهي في غمرة أوضاع صعبة لا طاقة لها بتحملها، وفي ضوء أن قيادتها السياسية والعسكرية ليست في اتجاهٍ واحدٍ، وسواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الدولي.
خانيونس/فلسطين
16/1/2015
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=13880