أخبار أزمور الجهوية:
إلى الذي جال في دروب الغربة بين الناس ، إلى الذي إكتوى بنار هدّت كل أساس ، إلى هذا الإنسان الهائم على وجه البسيطة ، أهدي هذه النصيحة .
إلى من جمعني بهم صوت السداد ، رفاقي في جمعية “أعمارة الرداد” الذين أرقصوا كل من أحس بضيم من زمن العناد ، أهديهم قصائد من جوهر الكلام ، علّها تجمعنا في يوم من الأيام .
تقديم :
ديوان (بْنادَمْ ) للزجال السابق محمد البوعزاوي
إن المتصفح لهذا الديوان سيجد نفسه أمام زجال من مدرسة
الكبار ،مدرسة عبد الرحمان المجذوب الذي ذاع صيته في
الأمصار لأن شعره أو زجله عانق التراب ،عانق الروح الجماعية ،
عانق الأمل و الألم ، عانق الانكسار والانعتاق .
ديوان بنادم للزجال “السابق محمد البوعزاوي “يعانق هموم
الناس ، يرى بالعين المبدعة الراصدة أحوالهم ، أفراحهم
أقراحهم ، يسلط الضوء على عيوبهم .
بْنادَمْ بْطَبْعو ناكَرْ
ماذاقْ طَعْمْ لَهْنا
لَلنَّعْمَة ماشاكَرْ
لَلْمالْ ٱتْعَبْ وَٱشْقا
عْليهْ حارَسْ
خَلاَّهْ وَٱمْشى
ماعْطى حَقّو
وَيْلو شَرْ يَلْقى
ٱعْليلْ يَشْكي ماصابَرْ
مَجْروحْ ناحْ وَٱبْكى
طالْ لَيْلو
وَٱلنَّوْمْ ليهْ ٱجْفى
الزجال يغرف من عدة معاجم ، من الواقعي ومن الصوفي ، كثير
من القصائد إن لم نقل أغلبها تَمْتَعُ من معجم التصوف والدراويش
وأصحاب الحال …
من معجم الحب والقرب أصحاب الذوق والشوق .
لَلَّهْ ، لَلَّهْ تَرْكيني
قالَتْ إِلى قْدَرْتي نَقْدَرْ
آصاحْبي كيفْ ٱعْمَلْتي
قالْ ٱلْزَمْتْ لَمَّةْ لَفْضَلْ
ٱلْقَيْتْ راحْتي
وَٱصْبَحْتْ ٱمْعاهُمْ نَحْضَرْ
جَرَّبْ مَثْلي
وَعْلَى صَحْبَتْهُمْ تَصْبَرْ
عْبادْ فيها زَهْدوا
مَنْ مالْ ليها ٱحْصَلْ
وفي قصيدة أخرى يقول :
وَٱلشّاهَدْ عْلَى حَرْفي يْأَمَّنْ
وُكُلْ ماتْسَطَّرْ مَعْقولْ
ياكْ ٱلْمَوْلى سَوّاها بْلَقْبور
وُلَحْسابْ ٱلْهيهْ
وَٱلْكُلْ يَلْقى ٱكْتابو مَنْشورْ
أو في قصيدة لمَّةْ لَفْضَلْ :
أَنْتُمْ ٱهْلَ ٱلْحَضْرَة ناسي
ٱمْعاكُمْ وُبيكُمْ يْزولْ هَوْسي
ٱشْحالْ كْتَمْتْ ٱنْفاسي
مَنْ هَمْ وُغَمْ وَٱحْزانْ
ٱسْبابي خَمْرَة مَنْ شَهْدْ لَمْعاني
طَرْبَتْني وُطابْ نْعاسي
بِها ٱرْتاحْ بالي
وُزالْ مابي مَنْ ٱهْوالْ
خَمْرَة ذَقْتْها ٱشْتَقْتْ ثاني
لْحالْ لَكْلاَمْ وَٱسْرارْ لَمْعاني
ٱصْفا قَلْبي مابْقَيْتْ نْعاني
راحْ مابي مَنْ ٱكْدارْ
كما لايفوت الزجال كذلك أن يتغني بالحب العذري بعيدا عن
الحب الإلهي ويتجلى ذلك في عدة قصائد … ولو أنه يصعب
على المتلقي أن يفصل بين الحبين حب الهوى وحب الله ..
يتجلى الحب العذري في قصيدة الزاهية :
مُريدْ سَلَّمْتْ وَطْرَقْتْ بابَكْ
ليكْ شَوْقي وَهْوايا
فيكْ راحْتي ٱلْقِيتْ
آلزّاهْية ، عَشْقي ليكْ غايَة
لِي لَكْريمْ ٱهْدى
زاهْيَة بيها زالْ ٱعنايا
ليكْ نَسْعى وَانا عْليلْ
فَرْحي بيكْ ٱدْوايا
إلى أن قال :
بَمْحَبْتَكْ ٱصْبَحْتْ مَنْ رُوَّادَكْ
طابْ نْهاري وَمْسايا
نَلْقى راحْتي فَمْكانَكْ
ذِكْرْ ٱللَّهْ وُمَدْحْ ٱلنْبي ماليهْ نْهايَة
ٱلزَّاهْيَة مانَسْخى بَفْراقَكْ
رَبْ ٱلْكَوْنْ مْعايا
وهنا الزاهية تلبس لبوس امرأة ولكن عفيفة تقترب من المقدس ،
الزاهية تنضح بالزهو ،بل قد تقترب من الزاوية ،حيث المريد
العاشق مثبتل في محرابها … صعب أن نَفْصِلَ أو نُفَصِّلَ في
هذا الحب في قصائد الديوان .
ونمر إلى قصائد الحال أو عالم الأحوال والجذبة وطقوسها،
نتيه في عوالمها وننسلخ من الجسد ونداءاته .
أَدْخَلْتْ لَزْريبَة
وَلْحالْ حالي
أَوْلاَدْ بَنْمْبارَا
رَفْقوا بْحالي
فْتوحْ ٱلرَّحْبَة عادَة
بْخورْ ٱحْصَلَبانْ وُجاوي
طْبَقْ قُدَّامْ مُولاَتي دادَة
بَسْبَعْ ٱكْساوي
ٱلْوانْها لَلْعارَفْ حالْها مْقَدْسَة
رَمْزْ لَمْلوكْ
گالْ لَگْناوي
آجي ،آجي وُكانْ
ٱلسَّنْتيرْ داوي
ٱگْناوَة ٱللَّه يْداوي …
الزجال” السابق محمد البوعزاوي “في هذا الديوان له تفرده
بحيث لايشبه باقي الزجالين وهذا نادرا مانصادفه في الساحة الزجلية له معجمه الخاص يَمْتَعُ منه معجم متنوع ولو أن الطابع
الغالب هو المعجم الصوفي نظرا لارتباط الزجال بالزاوية …
ارتباطا روحيا .
هذا وعوالم الزجال السابق محمد البوعزاوي قريبة من الوجدان
المغربي ومن الواقع إن شئنا التدقيق ،ويتجلى ذلك في قصيدة
الخيل لعبت على سبيل المثال لا الحصر .
رَگَّبْتْ عَلْ ٱلْموسَمْ ماحْلى لِي
أَذَّكَرْتْ ٱللَّمَّة وُلَوْتاقْ
ٱتْفَكَّرْتْهُمْ زادْ هَوْلي
فْجَنْبي كانوا رْفاقْ
حَرْفْهُمْ مَنْغومْ يَشْفي
راوْيينْ مَنْ ٱمَّاسَمْ وَٱسْواقْ
ٱغْناهُمْ گُبَّاحي
يَطْرَبْ ذاكْ ٱلْعَشَّاقْ
ٱكْلاَمْهُمْ مْعاني
تَصْغى ، ليهْ تَشْتاقْ
مِيزانْ مْساوي
ٱرْمى ٱحْقاقْ
إلى أن يقول في الختام :
آحسنْ ، كُبْ لِي كاسي
نَتْناسى ٱيَّامْ لَفْراقْ
ٱلْخَيْلْ لَعْبَتْ
تْكونوا فَٱلْخَيْرْ يارْفاقْ
بل يقترب الزجال من الفكر المغربي السائد ونظرته للمرأة في
قصيدة ( هِيَ ) :
ٱبْغاتْ ٱتْجَرْ لْساني
ضَحْكَتْ لِيَّ
كيفْ نَعْمَلْ مَگْواني
بيبانْ فَتْحَتْ وُسَدَّتْ هِيَ
ٱضْرَبْتْ ٱلطَّمْ
قُلْتْ نَرْتاحْ مَنْها هِيَ
عَلْمْها فاتْ عَلْمي
ٱمْثَلْ ٱلْحَرْبَة
تَتْلَوَّنْ كيفْ بْغاتْ هِيَ
ماثِيقْ فْ شَمْسْ ٱلشْتا
وُلاَ فَكْلاَمْها هِيَ …
ويختم القصيدة :
ٱشْحالْ لَسْعوني
ٱحْبالْ ٱشْباكْهُمْ ٱقْوِيَّة
يذكرنا هنا بعبد الرحمان المجذوب الذي يقول في مطلع قصيدته
المشهورة في المرأة :
سوقْ ٱلنْسا سوقْ مَطْيارْ
ياٱلدَّاخل رد بالك
يْوَرِّيوْكْ مَنْ ٱلرَّبْحْ قُنْطارْ
وُيَدِّيوْ راسْ مالَكْ
إنها النظرة الدونية تجاه المرأة ،النظرة كما هي في الثقافة
الشعبية بل في المجتمع الذكوري بصفة عامة ،والزجال هنا
كان عينا ومرآة على المجتمع …
النصوص في هذا الديوان (بْنادَمْ ) تنم من تجربة ناضجة لها
فرادتها ،وصوت قادم سيصيف للديوان الزجلي المغربي المعاصر
إضافة نوعية .
شكيب عبد الحميد
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=25482