د. عادل محمد عايش الأسطل
يقود الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الإدارة الأمريكية في ظروف سياسية سيئة، انعكست سلباً عليه وخاصة منذ الفترة الأخيرة، أشعرته بعدم القدرة على الحركة بشكل انسيابي وخاصة باتجاه الأزمات السياسية الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة، سواء المتعلقة بالقضية الأصعب وهي القضية الفلسطينية أو المتعلقة بالملف النووي الإيراني، أو تلك المتعلقة بأحداث الربيع العربي، والقضية الأوكرانية التي قفزت في وجهه فجأة، وغيرها من الأزمات حول العالم.
فقدرة الولايات المتحدة الحالية، لا تساعده بالقدر الكافي لخلق سياسة أمريكية نافذة، كما كانت في أوقات سابقة، كانت تحتفظ بأنها قوة عظمى، حيث فقدت الرغبة في قيادة العالم كما يبدو. ومن جانبٍ آخر، فإن الكثرة الديمقراطية الضعيفة في مجلس الشيوخ والكثرة الجمهورية الصلبة في مجلس النواب تجعلان من الصعب عليه أن يُجيز قرارات مهمّة وينفذ رغباته، على الرغم من حيازته لجائزة السلام، التي ربما كانت سبباً أخر مضافاُ، إلى شلّ قدرته على التعامل مع أزمات العالم.
كان الأصعب أن كثف من مساعيه الرامية إلى الدفع قدماً نحو تسوية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن كما يبدو فإن الظروف المحيطة لا تخدم كما المرغوب، على الرغم من أنها تبدو مناسبة للإسرائيليين وليست جيدة للفلسطينيين، فالوضع العربي ومنذ بداية الربيع الذي لا يكاد ينتهي، لا يمكن أن يدّعي أحد ما، أنه بخير أو يتعافى من وعكة أو شيء من هذا القبيل، لا سيما وهو يشهد في كل لحظة المزيد من القتل وعدم استقرار.
وهو الأن بصدد إدارته منذ اليوم لحربٍ يائسة. ليس ضد إيران بشأن ملفها النووي، ولا ضد كوريا الشمالية بشأن صدودها عن الإملاءات الأمريكية، ولا ضد روسيا في جزيرة القرم بشأن انتزاع تغلغلات جديدة في منطقة الدب الروسي، بل ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” بهدف التقليل من حدّته وتليين مواقفه لتحقيق تقدمات ملموسة، وذلك قبل نحو أسبوعين من اجتماعه المقرر مع الرئيس الفلسطيني الغاضب “محمود عباس” في 17 من الشهر الجاري، الذي بدا وكأنه عصيّ على التعايش مع الرؤى للولايات المتحدة بشأن العملية السياسية.
“نتانياهو”، الذي اضطر وزير الخارجية “جون كيري” أن يذهب بعيداً للاستجمام من وعثاء الدوران حول طاولة المفاوضات، حيث أُصيب بالدوار، بعد أن شارف على الاقتناع بأن “نتانياهو” غير معني بالتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين والعرب بشكلٍ عام.
منذ وقتٍ سابق، وفي إطار خطة قرر خوضها، لإقناع الرجلين على تفاهمات ما، تعدل الرأس الأمريكية وتحفظ مكانتها وإن بأبخس الأشياء، لا سيما وقد قاربت إلى نهايتها مدة التسعة أشهر المقررة للمفاوضات، كان طلب “أوباما” من (اللوبي من أجل إسرائيل) في واشنطن(الإيباك) – الذي لا يزال يحظى بتأييد اليمين المحافظ حسب (مركز غالوب) لاستطلاعات الرأي-، استخدام نفوذه، من أجل طمأنة إسرائيل و”نتانياهو” بوجهٍ خاص، في سبيل التعاطي مع مجريات العملية السياسية، وقد استجاب لهذا الطلب للوهلة الأولى، لكن الذي عرقل السرور لدى “أوباما”، هو أن تلك الاستجابة كانت مرتبطة باشتراطات أخرى، بداياتها بدت سهلة ونهاياتها تعزز مفاهيم “نتانياهو” بالإجمال، حتى بدا ذلك اللوبي قد تخلّى تماماً عن الارتباط بمصير حكم “أوباما” الذي تعاهد عليه في وقتٍ سابق، وفضّل العودة إلى العلاقات الباردة، وهو ما سيتضرر به “أوباما” وسينعكس مستقبلاً على صورة حزبه (الديمقراطي)على نحو أكثر. وبالمناسبة، هذه ليست المرة الأولى وبهذه القوّة التي حاول “إيباك” مواجهة البيت الأبيض مباشرة، ففي عهد الرئيس الأمريكي (الجمهوري)”رونالد ريغان” وخلال منتصف الثمانينات، وقف ضد بيع طائرات تجسس (أيواكس- Aiwaks) للمملكة السعودية، ولم تنفذ الصفقة إلاّ ضمن شروط معينة، وكانت سبباً في تآكل رصيد “ريغان” حينها، وإرباك سياسته باتجاه إسرائيل بوجهٍ عام.
ليس واضحاً في هذه المرحلة بعد، فيما إذا كانت حفلة “أوباما- نتانياهو” ضرورية بالفعل لحماية العملية السياسية من الانهيار أو لأجل تحقيق إنجازٍ ما على الأقل، على الرغم من أن التكهنات على اختلافها، العقلانية وتلك التي تتصف بالجنون تقول، بأن ليس هناك أمالاً معلقة، وذلك بالنظر إلى مطالبات “أوباما” وتساؤلاته، وإلى ردود “نتانياهو” واستفساراته.
لكن سيسعى “أوباما” إلى تنبيه ضيفه – وإن بصرامة – بأنّ وقت إسرائيل آخذ في الانتهاء كدولة ذات أغلبية يهودية، وبأنّ إسرائيل ستواجه مستقبلاً قاتماً وعزلة دولية وكارثة ديمغرافية، ومحذراً في الوقت نفسه، من أنه سيصعب على الولايات المتحدة مستقبلاً الوقوف إلى جانب إسرائيل في الساحة الدولية بغياب الحل السلمي، وأن بيديه القوة لإخراج إسرائيل إلى خارج المنطقة الخطرة، إذا ما تم القبول باتفاقية الإطار، وسيتقدم أيضاً بسؤاله إذا لم تكن الموافقة الآن، فمتى؟.
بالتأكيد، لن يُخفض “نتانياهو” رأسه أمام تساؤلات “أوباما” وتحذيراته، بل سيكون أكثر صرامةً، عندما سيخبره بأنه تساؤلاته باتت مكررة، وليس مخولاً منذ الآن وصاعداً، بالضغط عليه كي يتنازل عن أمن ومستقبل مواطني إسرائيل. وسيخبره أيضاً، إذا كان سيمارس ضغوطاً فلتكن على الرئيس “أبومازن” الذي لم يرغب بالدخول إلى حلبة رقص التانغو لتحقيق مساعي السلام. وما يقوّيه أكثر، هو أن لديه (تهديداً) جاهزاً في جيبه، بخصوص إمكانية فرض حل أحادي الجانب، حال عدم التوصل إلى اتفاق مع نهاية شهر أبريل/نيسان المقبل.
وكان قد أعلن قبيل وصوله إلى واشنطن، بأنه لن يتخلَّ عن المتطلبات الأمنيّة اليهوديّة، وشدد على استبعاد فكرة التخلّي عن الاستيطان داخل مستوطنات الضفة الغربية والقدس، أو اللجوء إلى هدم أيّة مستوطنات قائمة في إطار اتفاقية سلام، وأن أيّة مناقشة ستتم بناءً على ذلك، هي مرفوضة، معتبراً أن فشل المفاوضات والعيش من دون اتفاق، أفضل من الوقوع في فخ اتفاقات سيئة.
كانت تصريحاته مسلحة بأربعة وزراء “ليمور ليفنات، يوفال شتاينتس، عوزي لنداو، تسيبي ليفني”، بالإضافة إلى نائب وزير الخارجية “زاف إلكيان”، وهو يعتقد يقيناً – على زعمه- أنه لا يمثل المواطنين الإسرائيليين فقط الذين انتخبوه للقيادة، بل باسم اليهود الذين يحلمون منذ آلاف السنين بالعودة إلى صهيون والمدينة المقدسة.
على أيّة حال، لن يكون أمامنا الكثير من ساعات الانتظار، حتى نرى ما ستسفر عنه رحلة “نتانياهو” والوفد المرافق، ولكن على أيّة حال لن تكون هناك مستجدات ذات قيمة، أو إبماءات يمكن للفلسطينيين التعويل عليها، وربما والحال كذلك، يُجازف “أوباما” بإعلان اتفاق الإطار رغم تحفظات الطرفين، أو حتى في غياب موافقتهما، أو الضغط باتجاه تمديد المفاوضات إلى مدةٍ أطول، بهدف الهروب من الهزيمة، وإن كان على حساب أن يظل البيت الأبيض مرتبكاً.
خانيونس/فلسطين
3/3/2014
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=5688