أزمور أنفو 24 المتابعة: عبدالواحد سعادي
أنظر كتاب محمد حسن عبدالعزيز ” لغة الصحافة المعاصرة” وكتاب ” درجة الصفر للكتابة ” لرولان والسلسلة الثقافية “شراع” عربية الصحافة .
إن الجريدة ليست موقع تعبير الصحفيين العالميين بها فقط،إذ هي منتدى يضم الى جانب الصحفي المهني ، المراسل المحلي والجهوي،والكاتب المحترف والكاتب الموسمي أو المناسباتي ،والمترجمين والأساتذة والأدباء والمبدعين والطلبة والمسؤولين السياسيين والنقابيين والجمعويين والإشهاريين ،لذلك فعربية الصحافة الحزبية مثلا، لابد أن تتأثر بالمرجعية الحزبية،وإن لم يعد اليوم دالا أن تنعت الصحافة اليمينية بسرقة لغة المعارضة بعد تماهي الايديولوجيات.
يقول رولان بارث تحت عنوان ” الكتابات السياسية” : ” الكتابات الماركسية مختلفة تماما عن كتابة الثورة الفرنسية،فمصدر انغلاق الشكل هنا “الماركسية” لا يأتي من تفخيم بلاغي ولا من تضخيم معين للكلام ،وإنما آت من معجم خصوصي ووظيفي شبيه بالمصطلح التقني والاستعارات نفسها تكون مرموزة بصرامة في الكتابة الماركسية مثلا استتبع impliquer المتواترة في الكتابة الماركسية لا نجد فيها المعنى القاموسي المحايد بل هي تلمح دائما الى سير تاريخي معين،ولان هذه الكتابة مرتبطة بفعل ما، فانها سرعان ما أصبحت في الواقع لغة للقيمة ،وكما للاحزاب الشيوعية عبر العالم لغتها الخاصة،فان لكل الصحف النضالية لغتها الخاصة ،كما هو الشأن بالنسبة لكل الكتابات النضالية داخل صحف اليمين أو اليسار.
نشعر حينما تناضل الكتابة أن الاسلوب وحده لا يجدي كثيرا ، ان الذي يكتب يمنح الشكل،في نفس الوقت ،فكره وما يفكر فيه بشأن ما يحكي :الرعب والانتقام والثورة،والسخط وتغدو النصوص نفسها رعبا،انتقاما ،ثورة وسخطا،إن الاسلوب بالمعنى المحدد سابقا ينتفي هنا ليظهر الاسلوب بالمعنى الايديولوجي للكلمة،لان هم الكتابات السياسية في الصحافة الحزبية هو الاقناع ،مع استعمال شفرة بين المراسلين والمتلقين يمثل اقتسامها في حد ذاته اقتصادا في الامكانيات الهائلة للغد.
يمكن اعتمادا على تصنيف ماتان لاغارديت أن نضبط أربعة أصناف من الأجناس الصحفية: الاجناس الخبرية” المختصر ،المقال الاخباري،المقال التجميعي،المقال التركيبي، التقرير…” أجناس الرأي ” الافتتاحية،المقال التعليقي،المقال التحليلي، العمود الثابت” الاجناس الانطباعية ” الخاطرة الصحفية،القصة الصحفية، الصدى..” والاجناس الراقية أو الكبرى ” الاستجواب ،الاستطلاع ،التحقيق” . وهذه الاجناس مجتمعة ،محط التقاء أساليب الكتابة المعهودة ،من الأسلوب “التلغرافي” الذي يميز المختصرla brévé الى الاسلوب المجنح الذي يطبع الخاطرة الصحفية le billet ،وبين هذين الاسلوبين يمكن تمييز أساليب المراسلات الادارية ، والكتابة الروائية والتحليل العلمي..إلخ.
ويمكن من جانب آخر أن نميز ملامح خاصة بالاجناس التي ترمي الى الإخبار “الاعلام” ،والاجناس التي تعنى أكثر بالتواصل ،فالاجناس الخبرية والراقية لا تحقق نفسها الا بشرط تحقيق المستوى الاول،أي الاخبار أو الاعلام ،في حين تجنح أجناس الرأي والاجناس الانطباعية للاتصال والتواصل الفكري أو الوجداني،ويكون المضمون الاخباري فيها ضامرا” الجدة، الاهمية ،الآنية..” .
وبالنظر الى اللغة كوعاء لمضمون أو كمضمون ” اللغة كغاية في حد ذاتها” فانه يمكن فصل الاجناس الصحفية الى اجناس تتحقق معها مقولة باشلار Bachelard التي تحتفي بالشكل احتفاء مطلقا ،والتي تذهب الى أن اللغة هي التي تؤسس الفكر ،هي الفكرة التي يدعمها فلوبير الذي كان يطمح الى تأليف كتاب حول لا شيء :متماسك بنفسه بفعل القوة الداخلية للاسلوب ويمكن أن نسرد في هذا الباب : الخاطرة الصحفية والبورتريه”السيرة-والصوت” وجزءا من مقومات ” الاستطلاع” ،علاوة على الاجناس الادبية والنصوص الاشهارية داخل الجريدة وقد يخطئ من يتصور أن الصحافة نقيض الاسلوب ،إذ تبيت مقولة بوفون: ” الاسلوب هو الرجل نفسه” صحيحة الى حد كبير في مجال الصحافة،ولعل كذلك ما ذهب إليه بيلانجر مخضعا الاسلوب ،يظل صحيحا الى درجة معينة حين يسم الكتابة ب “السلعة” والاسلوب ب “الماركة” وهو ما ينطبق على الجريدة كسلعة تعرض للاستهلاك.
ويوظف التعبير الكتابي بشكل كبير سواء في ميدان الادب او الصحافة او الكتابات ذات الطبيعة النفعية،الاشكال البلاغية التقليدية ” صيغ المبالغة والتشبيه و الاستعارة والمجاز والكتابة والتورية والتلميح والتقديم والتأخير ..” وذلك لان النص المكتوب لا يكتفي بالاخبار ،بل ان جسور قد مدت بشكل نهائي بين لغة الكتاب ولغة الصحافة ،وربما لان الكتاب يظل على مستوى التصور على الاقل حامي اللغة وضامن سلامتها،فظاهر النصوص المجمعة من الصحف والتي ظهرت على شكل مقالات اولا ثم صدرت بعد ذلك في شكل كتاب ،رافقت تطور الصحافة ،وقد قيض لبعض المؤلفات التي صدرت أول الامر على شكل مقالات في الصحافة أن يذيع صيتها ومنها ” حديث الاربعاء” لطه حسين و ” النقد الذاتي لعلال الفاسي ، وبعض مؤلفات العقاد ،وتعد تجربة “وكالة شراع” رائدة في المغرب ،إذ أصدرت ” سلسلة شراع” التي تعني بجميع المقالات المسلسلة أو المتفرقة لصحفيين أو مختصين في حقل من الحقول الفكرية أو السياسة أو الاجتماعية ،والتي نشروها مسبقا على صفحات الجرائد،وإن كانت هذه المقالات غير صحفية صرفة،مع استثناءات قليلة كالعدد الذي يحمل عنوان” بخط اليد ” لعبد الجبار السحيمي والذي تدخل مادته ضمن الخاطرة الصحفية أو العمود الثابت،و”أصحاب السعادة” لعبد الرفيع جواهري والذي يقترب في مضمونه من الخاطرة الصحفية.
ويمكن من جهة أخرى تقسيم الاجناس الصحفية تأسيسا على اختلاطها بالمرجعية الشفاهية أو المكتوبة ،فالاستجواب والاستطلاع والتحقيق والصدى ،اجناس صحفية تعتمد كلية أو جزئيا على “الشفاهي” حيث يمكن للتعابير العامية أن تتسرب الى المتن الصحفي وتطبع لغة كاتب المقال،في حين أن بعض الاجناس مثل المقال التركيبي Mouture والمقال التجميعي Montage وملخص التقرير Résumé de rapport تعتمد على مرجعية مكتوبة ، ويمكن في هذا التفريق بين النوعين أن نميز بين الاجناس التي تفتح قوة أو تنحسر لتسمع أصوات المعنيين بالمقال “الشفاهي” وتلك التي لا تتناهى أصوات هؤلاء عبرها الا مترجما على لسان الصحفي” من الشفاهي الى الكتابي”.
ان تعدد الجناس هو تعدد للغة الصحافة عبر تعدد الاساليب التي تفرضها تصميما ودلالة ومعجما وتركيبا.. مزاوجة بتعدد الاساليب بالمعنى المضمن في قولة بوفون
Buffon” الاسلوب هو الرجل نفسه”.
الفرق بين عمودي ” عين العقل ” لمحمد الاشعري و ” مع الشعب” لعبد الكريم غلاب بيوميتي الاتحاد الاشتراكي والعلم بالمغرب.
المرتكزات او العناصر الثلاثة التي لامسناها بالطرح تبين انه لا تصح معالجة موضوع عربية الصحافة بالمغرب إلا بانتهاج علم النفس الاجتماعي كخلفية كاشفة يمكن بعد ذلك أن نخلص منها الى الحديث حديثا موفقا عن مساقط عربية الصحافة ومواطن قوتها ،عن تأثرها وتأثيرها ، عن الاكراهات وهوامش الفعل الحر داخلها وبعبارة واحدة عن الغث والسمين فيها.
لابد من تأمل قولة بوفون Buffon ” الاسلوب هو الرجل نفسه” وفي هذا الصدد يقول رولان بارث عن الاسلوب :”…هو صور ،ودفق وقاموس تولد كله من جسم الكاتب وماضيه ثم تصير ،شيئا فشيئا ،الاليات نفسها لفنه،هكذا تتكون تحت اسم اسلوب ،لغة مكتفية بذاتها لا تغوص الا في الميثولوجيا الشخصية والسرية للكاتب…” ،المؤلف رولان بارث.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9439