الهذيان السياسي والدعوة للإصلاح

2014-09-25T23:07:45+01:00
سياسةفسحة الأدب
25 سبتمبر 2014آخر تحديث : الخميس 25 سبتمبر 2014 - 11:07 مساءً
الهذيان السياسي والدعوة للإصلاح

 المتابعة:عبدالواحد سعادي

يشعر المرء أحيانا بنوع من الغبطة والارتياح عندما يقرأ في بعض المجلات الأجنبية أن المغرب بلد مستقر ومتفتح ومجدد من خلال ملكيته الشريفة وإمارة المؤمنين المستمدة من نفحة بيت النبوة المقدسة،يعيش معها المغرب إيقاع نهضة حقوقية واقتصادية وتنموية بشرية وعلمية تشكل حالة استثناء بالنسبة للوطن العربي والقارة الإفريقية ،كما تعيش المملكة السعيدة بقيادة الملك الهمام على ايقاع مبادرات جريئة وشجاعة تشجع على التفاؤل مستقبلا والتمسك بأهداب الأمل.

ان السلطة باتت تفصل على مقاس جديد ساعية بذلك إلى نحت مفهوم يجمع في بوثقته بين الاقتصادي والاجتماعي تجاوبا مع أولويات المرحلة واستيعابها لانتظارات الشارع،كما أن أدوات تنفيذ وتجسيد هذا المفهوم لم تعد تقليدية قائمة على علاقات فوقية ،بل أصبحت منخرطة في المشاكل اليومية للمواطنين ولها من الصلاحيات والإمكانيات ما يضمن لها استقلالا محليا في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف .

غير أن الشعور بالغبطة والارتياح سرعان ما يتبدد عندما تنتصب أمامنا تشكيلة من الأحزاب السياسية تفوق الثلاثين ،وهي تؤثث مشهدا يتضمن كل العناصر الدالة على العبث واللامعقول ،خاصة فيما يتعلق بأسباب نشوئها وظهورها والسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي احتكمت إليه وتحكم فيها، والمبررات الموضوعية الداعية إلى تفريخ مزيد من الأحزاب.

من الناحية الدستورية أكيد أن الأحزاب تضطلع بدور مهم في تربية وتأطير المواطنين سياسيا ،أي أن وجودها يشكل ضرورة حيوية لا مناص منها لتحقيق مجتمع مستقر ومتوازن ومنتج على مستوى القيم الرمزية وفي مقدمتها الديمقراطية ،لكن المظلة الدستورية الواقية أحيانا قد تكون مصدرا لوقوع الممارسة السياسية في العراء ،وتعريضها لشتى أنواع التسيب والميوعة ،سيما وأن المعطيات الاجتماعية والسياسية والتربوية لا تدعو بالضرورة إلى كل هذه السيولة الحزبية التي تدفقت بصورة غير مسبوقة وكأن الواقفين وراءها يستعجلون الوصول إلى نقطة معينة من ماراطون السلطة أو الظفر بمقعد برلماني واحد، قد يكون من نصيب زعيم الحزب مكافأة لما أسداه من خدمات ولما كرسه من وقت لترويج وتسويق إيديولوجيات الحزب اللا إيديولوجية.

أيحتاج المغاربة إلى كل هذا الكرنفال الحزبي المدجج بخطابات ولغات سريالية تحيل على كل المفارقات ؟أية قوة سياسية يريد المغاربة لتتولى تدبير شؤونهم ؟لا أعتقد أن مشهدا مبعثرا ومبلقنا تقطنه كائنات سياسية لا هوية فكرية ولا شرعية تاريخية وجماهيرية لمعظمها بمقدوره أن يفرز أقطابا حزبية قوية تعكس تمثيلية سياسية معقولة من شأنها أن تتحمل المسؤولية بكامل الثقة والاطمئنان.

وعندما نتحدث عن الشرعية التاريخية والجماهيرية لا نقصد بالضرورة خوض المعارك النضالية المريرة ودخول السجون والتشبع بمبادئ الاشتراكية أو الدعوية قصدنا هنا هو أن يكون لهذه الأحزاب قسط من التمثيلية والانتشار الجغرافي ،وفلسفة واضحة تهتدي بها في اجتياز المسالك الوعرة والمفازات الصلبة،والحال أن من يتأمل تصريحات وأقوال بعض وزراء وزعماء أحزاب القرن الواحد والعشرين في بلادنا يصاب بالغثيان ويمكن أن يشد على بطنه بقوة ،خشية أن تتفجر من نوبة ضحك لا حدود لها،فهناك من الأحزاب من يعتبر نفسه بديلا تنظيميا وتاريخيا ظهر إلى الوجود بقوة الحاجة إلى خدماته ،لأنه سيسد الفراغ السياسي المهول الذي يسم الساحة ،وسيقول الحقيقة دون أن يداخله خوف أو وجل وسيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ..إذن ليتنفس المغاربة الصعداء،فها هو مهدي الأحزاب المنتظر بعث بعثا،لينقد الأمة من الانزلاق والارتماء إلى التهلكة ويحميها بالزيادة وغلاء فاتورة العيش،لكنه ليس البعث ،فأن يتوهم حزب صاغته رياح الخريف العربي وسخرية الأقدار وقذفت به إلى الوجود في زمن كانت فيه السيادة المطلقة لأهل المال والبلطجية، أن يتوهم بأنه يجب أن يضع قدمه حتى لا يسقط في الفخ،فهذا هو العبث بعينه.

اللافت للنظر في هذه النازلة الحبلى بالسخرية ، هو القفز بكيفية مأساوية وموجعة فوق حقائق التاريخ ومستلزمات العمل السياسي وأخلاقياته،والميل إلى بتر هذا التاريخ وتشويه هذا العمل السياسي، وكأن المغرب ظل أرضا قاحلة عقيمة طوال هذه العقود لم تلد أحزابا ونقابات وجمعيات مهما اختلفنا معها وانتقدنا سلوكها وأداءها فانها في المحصلة النهائية تركت بصماتها على الأرض ولعبت دورا كبيرا في الاستقرار وفي تنشيط الحقل السياسي وتخصيبه بأفكار وقيم وطروحات ساهمت في بلورة وعي تسلحت به أجيال لا يمكن ان نتنكر لها أو ندعي أننا وصلنا إلى صياغة البديل الذي يلغي دورها نهائيا ليضفي على نفسه النسك والورع والتقوى والحكمة وامتلاك الحقيقة كلها لنفسه.

ومن سمات أحزاب القرن الواحد والعشرين أو قبل مطلعه بقليل في المغرب هو السباحة العمياء في بحر السياسة الهائج ،أي عدم التوفر على الأدوات والشروط اللازمة لتشكيل حزب وفق المعايير المتعارف عليها في جميع أنحاء العالم ،وكل ما يوجد في متناولها من آليات لا يعدو أن يكون كمية هجينة من مصطلحات ومفردات حين تركب في جمل ،تدرك بسهولة هول الفراغ الفكري وانعدام الخيال السياسي وعدم الذربة والحنكة لدى من يفترض فيهم بأنهم زعماؤنا ورجال دولتنا ،وتبعا لذلك تتعرض مصطلحات الديمقراطية والتنمية والمبادرة والليبرالية والتجديد والحرية والجهاد والبيئة والإصلاح والعدالة إلى حفلة تعذيب وجلد وتعنيف ينبغي على إثرها ان تنقل على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات لتلقي العلاج الملائم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ،ويحدث هذا دون أدنى اعتبار لمجتمع رغم إخطبوط الأمية الذي يطوقه ،فإنه ينطوي على نخب متعلمة تميز بين الصالح والطالح ،وتدرك أن الانتهازية الانتخابوية  لن ينطلي عليها ولن تغرر بها .

أيمكن للانتخابات أن تعجل بولادة كل هذه الأحزاب ؟إذا كان الأمر كذلك فعلى الشعب وإن كان هذا مستبعدا جدا أن يرمي هذه الأحزاب بالطماطم ليؤكد أنه ليس أكياس بطاطس لا وعي له ولا وجهة نظر تحدد سلوكه الانتخابي.

إن السياسة مجال للعمل والتجارب والاجتهاد في التدبير وليس في الدين، فضاء ممتد يصعب تحديد هويته،وينبغي أن نتصور السياسة بكثير من العمق ،أما ابتذال السياسة والاستهتار بها فلا يمكن أن يؤدي سوى إلى السطحية والشعبوية الخارجة عن كل الأعراف والقواعد.

لقد امتلأ بطن المغرب بالأحزاب وشبع المغاربة من وزيعة الوهم وأساليب الدعوة الدوغمائية خصوصا تلك المستمدة لقاموسها من قال الله قال الرسول والمخزن هو العدو المقيت وعلينا أن نقتدي بالتجارب الديمقراطية العريقة لنصون دولة الحق والقانون والاستقرار ولنرسخ قيم العمل الوطني الصادق المستند على المصلحة العامة بعيدا عن طموحات فرق وجماعات تخلخل وتهدد وتلطخ صورة ايجابية نريدها أن تختزل عمقنا الحضاري وتاريخنا الغني وجغرافيتنا النوعية وتنوعها الثقافي واللغوي وجنوحنا الحماسي إلى العقلانية والتسامح والإيمان بالاختلاف.

أشهد أن نوبة ضحك حتى الضرس الأخير انتابتني مرتين ،الأولى إبان الحملة الانتخابية البرلمانية والثانية أثناء الجلسات البرلمانية تحت القبة مع رئيس الحكومة ،وأنا أمعن النظر وأبحر في أعماق الخطابات والتصريحات وردود الأفعال ،لا عمق لها ولا مستوى يشرف الشعب في يدهم اليسرى ووعودا هلامية وحديث رديء في يدهم اليمنى التي تتبرأ من الايديولوجيا وتهدد في نفس الوقت بالنزول الى الشارع وهي على منصة القرار الرسمي،هكذا يكون المشهد الحزبي قد أثقل كاهلنا بمتاعب إضافية لأننا لا نعلم ولا نتكهن بالمنهجية التي سنتبعها لإرضائها وإسكاتها خلال الانتخابات ،ستصيبنا دون شك بالقرف والاشمئزاز والنفور وربما بحالة اكتئاب لأن جزءا كبيرا منا لن يتحمل سماع طنين الهذيانات السياسية التي أخشى أن تلحق الأذى بأذان كثير من مواطنينا ،في زمن تنابز السياسيين بالألقاب والشتم والسباب أدت بشبابنا الطائش والمغفل بعضه المنحرف إلى الاتجاه نحو الدواعشة بأرض الشام والرافدين.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!