أزمور أنفو24:
وجدان عبدالعزيز
تحتم الطبيعة البشرية لأي إنسان التأقلم بوسط اجتماعي معين، يتأثر به ويؤثر فيه، قد يكون الوطن الذي يحتل رقعة من روحه وجزءا من كيانه، فيصبح مصيره متعلقا بمصير هذا الوطن، لأنه يعتبر وجوده وذاته وهويته وحريته وعقيدته، او الحبيب الذي يشاطره مسارات الحياة في الحزن والفرح ، وبالتالي يكون معه اسرة تأخذ قيادة الحياة في مساحة اوسع .. فمفهوم الشعر عند العقاد مثلا، هو تعبير عن الذات و يتضمن هذا ضرورة البعد عن الظواهر و الخوض إلى ما وراءهما و اعتبار الشعر تأملا في العالم و المعاني الشعرية هي أراء المرء و خواطره و أحواله النفسية، فالشعر تعبير عن الذات و إذا لم يكن كذلك كان صناعة و إذا كان صناعة لا يكون ذا قيمة إنسانية لأننا إذا قرأنا شعر شاعر و لم نعرف شخصية هذا الشاعر في صدقها من عدمه من خلال الشاعر نفسه، فعلينا أن نسمى هذا الشعر تنسيقا لا تعبيرا و التعبير عن الذات لا يقتصر على ما يعمل داخل الإنسانية بل يتعداه إلى الخارج. فالشعر في حالة التعبير عن الذات ليس ذكاء و إنما هو طبيعي من الطبع كما أنه واسع منفتح على الوجود و هذا لا يمكن أن يحصر في تعريف محدود أو مقيد، فهو كالحياة لا سيستنفذه التعريف و بالتالي فالشعر سيتعرف أفاق الوجود كلها و أفاق النفس كلها، فالشعر تعميق للحياة فهو يجعل اللحظة الواحدة لحظات كثيرة نحب الشعر هو حب الحياة نفسها فالشعر قيمة إنسانية و ليس قيمة لسانية. ويقول ابن خلدون: ” الشعر فيضان من شعور قوي نبع من عواطف تجمعت في هدوء” فالناس يكتبون حتى يعبروا عن أنفسهم ويتركوا عواطفهم الجياشة فتثور النفس بالعواطف و الأفكار و تطلب التعبير لشيء إلا لمجرد الخلاص العاطفي و الفكري و التنفيس عن العاطفة و الفكر … وهذا ما وجدته في قصيدة (سنعود هذا المساء) للشاعرة خديجة العلام ، التي عبرت من خلالها عن خلجات اليأس والاحباط ، رغم استعانتها بالذكرى ومحاولة التخفيف ، الا انها سقطت باحضان الحزن واليأس الى حد انها صرحت بالموت ، من خلال قولها : (سنخلع وجوهنا ونلملم ما تبقى من العمر/لنسافر مع الليل/نقترف الحب في الموت)، فلولا انها ذكرت الحب عنوان الجمال والخلود لاصبحت قصيدتها لوحة من الحزن قاتمة ، مغلقة النوافذ ليس فيها بصيص امل سوى ان العلام (على وقع حوافر الصهيل)، ترافقها الذكرى السجينة في لون نبضها ، أي السارية في مجرى الدم، ثم تقول :
(لا تسأل عن
قضايا الأمس المثيرة
ولا عن أحلام الغد المؤرقة
وحده الليل سيد المكان
يوزع فينا أدوار مسرحية الحياة
تنعشنا رائحة القهوة وكعك أمي المدهون بالحنان
وبعض من زيتها المغلي على نار شغبي
سأدير وجهي وأغمض عيني حتى لا أرى
جاري يفتش تحت الانقاض عن حلم عن ذكرى
ولا اسمع صراخ النهر يجرف بقايا الأجساد
أيها المطر كن رحيما بمن سكنوا ظلك
ووزعوا خيوط العنكبوت
وادخروا دموعهم لمواسم الشتاء
أيها الغجري لا تسال عن فستان الراقصة
ولا عن بهلوان يمسك فينا هواء الصمت
يوزع ماءه اﻵسن
سنخلع وجوهنا ونلملم ما تبقى من العمر
لنسافر مع الليل
نقترف الحب في الموت)
وكما اسلفت لولا الحب والمطر ، وذلك الحلم الذي يسكنها ، كانت سفرتها والليل ثم الموت ، لكنها قرنت الحب والموت ، مما اعاد النبض للحياة ثانية .. وهناك قرائن جعلت الشاعرة حزينة ومحبطة لهذا الحد الذي جعلها ترسم لوحتها القاتمة مثل (صراخ النهر) و(بقايا الاجساد) و(هواء الصمت) و(الماء الاسن) وهكذا فالتعبيرعن المشاعر والأحاسيس هي انعكاس صور الأحداث والأشخاص على لوحة نفس الإنسان، حيث يواجه ما يسره وما يحزنه، ومن يرتاح إليه ومن يزعجه، وما يرضيه وما يغضبه. هذه الانطباعات تترجمها المشاعر والأحاسيس، والتي تظهر على قسمات وجه الإنسان، وعبر أحاديثه وكلامه. ومن هنا فإن الذات بناء معرفي يتكون من أفكار الإنسان عن مختلف نواحي شخصيته فمفهومه عن جسده يمثل الذات البدنية ومفهومه عن بنائه العقلي يمثل مفهوم الذات المعرفية أو العقلية ومفهومه عن سلوكه الاجتماعي مثال للذات الاجتماعية. ويركز علماء النفس الإنساني على بناء الذات عن طريق الخبرات التي تنمو من خلال تفاعل الإنسان مع المحيط الاجتماعي، ويطلقون على العملية الإدراكية في شخصية الإنسان (الذات المدركة) والتي من خلالها تتراكم تلك الخبرات، فيتم بناء الذات ويكُون الفرد مفهوماً ًعن ذاته. ولما كانت الذات هي شعور الفرد بكيانه المستمر وهي كما يدركها وهي الهوية الخاصة به وشخصيته فإن فهم الذات يكون عبارة عن تقييم الفرد لنفسه، أو بتعبير آخر هو مجموعة مدركات ومشاعر لدى كل فرد عن نفسه. وهذا ما سعت اليه الشاعرة خديجة العلام في بناء ذاتها بادراك ومعرفة ، بحيث عبرت عن حالات الاحباط بكل حرية ، غير انها طعمت هذا التعبير بالامل والحلم …
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=13991