أزمور انفو24:
يبدو أن الجامعة المغربية اليوم تحاول مسايرة مراحل التطور الرأسمالي، بإحداث إصلاحات إدارية و بيداغوجية قصد ملائمة برامجها وتكويناتها مع المحيط السوسيو اقتصادي، والانفتاح على شروطه الاقتصادية، لكن السؤال الجوهري الذي يطاردنا دوما في هذا السياق هو: هل نجحت الجامعة المغربية في تحقيق أهدافها الأكاديمية؟ هل استطاعت فعلا أن تلبي حاجيات سوق الشغل؟ و هل يوجد سوق شغل إنتاجي مهيكل، يوظف الخيال و يستثمر في الابتكار، سوق قادر على استيعاب خرّيجي هذه الجامعات؟
لا يبدو أن أجوبة شافية تلوح في الأفق لحل هذه الإشكالات المطروحة حتى الآن، بدليل أن الطالب الجامعي، قد تحول منذ عقود إلى فأرة مختبر يخضع لتجارب مخبرية باتت معظمها فاشلة غير قادرة على إخراج التعليم الجامعي من براثن العطالة الوظيفية، وعلى الرغم من خوض الجامعة في تجارب إصلاح بيداغوجي بنسخ متعددة، لم تفلح حتى الآن في إيجاد الوصفة أو الوصفات العلاجية لداء المفارقة بينها وبين المحيط السوسيو اقتصادي الذي يتطلب كفاءات ومهارات دقيقة، لا يبدو أنها تتوفر في كراسات محاضراتها، هذا بالرغم أن مفهوم السوق، يظل فضفاضا، و لا تتم مناقشته بشكل علمي، حتى يتبين للجامعيين ما هو المطلوب منهم أصلا بملائمة برامجهم مع حاجيات هذه السوق. لقد تعددت نسخ الإصلاح البيداغوجي، و ارتجلت الوزارة الوصية عدة خطط وتصاميم انتهت في الأخير بإخراج نموذج المجزوءات و الوحدات و المسالك، و هكذا استوردنا تصميم المسالك الأوروبية، و تم تعويض النظام الأكاديمي المستورد بدوره قديما بنظام الوحدات الجديد، و تخلت الجامعة عن تدريس المواد على مدار السنة لتعوضها بمجزوءات تدرس لمدة لا تقل عن 14 أسبوع في ظرف أسدسين على مدار السنة الجامعية، لكن هل هذا هو جوهر الإصلاح البنيوي المنشود؟ هل يتوقف الإصلاح البيداغوجي بأكمله على صنع ماكيت أو هندسة بيداغوجية تم ملؤها بالتخصصات الكبرى في جوهرها القديم، مع إضافة بعض المستملحات المعرفية الجديدة كالدراسات الجندرية وما بعد الكولونيالية و غيرها من المستملحات المعرفية، ثم تم تعليب البرنامج الجديد/القديم في وجبات معرفية سريعة، أُطلق عليها اسم “الوحدات”، ودُبّجت في غلاف زمني لا يتعدى 36 ساعة من الحضور، دون احتساب العطل و الإضرابات، و هكذا تم تعميم هذا النموذج الواحد المتشابه على أوسع نطاق بالجامعة المغربية.
لم ينتج الإصلاح الجديد التنوع المطلوب في المسالك والوحدات، و لم يخلق الوحدات الاختيارية التي تمكن الطالب من حرية الاختيار على حسب تطلعاته المهنية، كما يقع في الجامعات الأوروبية، بل على العكس أفرز هذا النظام وحدات و مسالك متشابهة عابرة للجامعات المغربية، تشمل مداخل ومقدمات إلى النظريات و السرديات الكبرى، وهكذا حافظت الجامعة على طابعها الكلاسيكي القديم عبر اختزال المعرفة في معلبات الاستهلاك المعرفي السريع، وكأن الاقتصاد المغربي يسير بسرعة الاقتصادات المتقدمة، حيث قامت شعب كالأدب العربي والتاريخ والسوسيولوجيا واللغات الأجنبية و غيرها من الشعب بإيجاز المواضيع التي كانت تدرس على مدى سنة كاملة في معلبات جاهزة مقلصة للاستهلاك السريع في ظرف زمني قياسي، و هكذا دخلت الجامعة من بابها الواسع إلى عولمة المعرفة على الطريقة “الماكدلونادلزية”.
تعتمد الجامعة المغربية الآن في جل مسالكها الأساسية وجبات سريعة بمفاهيم كلاسيكية قديمة، و تدرس تخصصات، قد يرجع زمنها إلى السبعينيات، إن لم نقل إلى التقسيم الذي كان سائدا في أوروبا خلال القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. و هكذا، قد تجد مسالك في مستويات مختلفة من إجازة و ماستر تكرر نفسها بالانكباب على شرح مفاهيم النظريات الكبرى والتخصصات العامة و السرديات الأساسية، دون الاطلاع حتى على المناحي الجديدة التي أفرزتها هذه التخصصات من علوم اجتماعية و إعلامية و ثقافية.
ما على القارئ، إلا أن يتصفح مواد التدريس في مسلك التاريخ و العربية و السوسيولوجيا و الدراسات الإسلامية، واللغات ليقارن ماذا تغير بين الأمس واليوم في المقررات الأكاديمية، وهل فعلا استطاعت الجامعة خلق تكوينات جديدة بما تحمل الكلمة من معنى أم استُبدلت اسم الشعب باسم المسالك والمواد باسم الوحدات، و تقلصت المدة الزمنية لتفضي بنا إلى معلبات معرفية جاهزة للاستهلاك في وقت وجيز تماشيا مع سرعة عصر العولمة، هذا مع العلم أن وتيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية خارج أسوار الجامعة المغربية مازالت تسير ببطء السلحفاة، بل وترزح تحت وطأة الخواء الفكري والمعرفي؟ ماذا يعني أن تتوفر كل شعبة على مسلك أساسي يتيم، يكرر نفس العنوانين و المباحث والمواضيع التي تدفق بها النظام القديم شغفا وحبا؟ أليس هذا تكرار نظام الإجازة القديم في أسوء تجلياته؟
نسردها فقط للتاريخ: قامت الشعب أو لجن “الخبراء” التي انبثقت من المؤسسات الجامعية باستنساخ المواد القديمة و إفراغها في معلبات مضغوطة مقلصة تماشيا مع موضة الوحدات، ثم رشتها بإضافات جديدة، حتى تبدو معارف مٌحيّنة تنتمي إلى زمن الحاضر، و هكذا دخلت الجامعة ماكدونالدز بوصفات سريعة، لم تمكن الطالب المغربي حتى الآن من الشبع المعرفي و لا من التسابق نحو اكتساب المزيد من المعرفة أو ولوج سوق الشغل بسلاح معرفي قوي يمكنه من التنافس على الوظيفة.
إن الجامعة ماكدونالدز في المغرب تتسم بالتشابه في البرامج و المسالك و العنوانين على الرغم من أن أساتذتها يقومون بأبحاث أكاديمية فردية في مجالات مختلفة. و هنا نصطدم بالسؤال التالي: لماذا لا ينعكس هذا التنوع في البحوث على التنوع في البرامج التي تقدمها الجامعات المغربية؟ أليست هذه قمة العبث أن نكرر الدروس والبرامج في جميع أنحاء المغرب، و في مستويات مختلفة بين الإجازة والماستر، و كأن الجهوية الموسعة إنشاء على ورق غير قابل للتطبيق، و كم من برامج في المغرب أعدمت بين أغلفة المشاريع الوهمية التي توجه للاستهلاك الشعبي وإلهاء الجماهير؟
هل هكذا يتم تطبيق الإصلاح؟ هل هذه هي الجامعة التي تعتبر قاطرة التنمية في بلدان الاقتصادات الإبداعية المنتجة؟ قبل أن نقوم بطرح البدائل والتصورات الممكنة لخلق دينامكية جديدة بالجامعة المغربية، يجب أن ننطلق من مقاربة شمولية واضحة: إن إصلاح الجامعة ليس مرتبطا بمشاكل قطاع التعليم، و يتوخى مقاربة قطاعية لمباشرة إعادة هيكلته، وإنما هو مرتبط بسياسة دولة، أصبح من الضروري أن تأخذ على عاتقها محاربة اقتصاد الريع الذي ينحصر في استغلال الضيعات الفلاحية ورخص النقل والصيد، و يستهلك ثروات طبيعية في البناء و الزحف على المساحات الخضراء، إلى بناء اقتصاد إنتاجي قادر على الاستثمار في الخيال والإبداع الثقافي، أي اقتصاد في استطاعته أن ينهض بالإنتاج الأدبي والعلمي بشتى أنواعه. إن الحقيقة الخفية التي يواجهها الاقتصاد المغربي، هو أنه لن يستطيع الصمود، إذا ما تخلف عن ركب الاقتصاد الإبداعي الذي أحدث الطفرة في الاقتصادات العالمية التي نقلت مجتمعاتها من التصنيع إلى تكنولوجيا التواصل، فأصبحت مجتمعات إبداعية بامتياز.
إن المجتمعات المعرفية التي ظهرت في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي في أوروبا وأمريكا وكندا اتصفت بالمظاهر التالية:
– نمو القطاع الخدماتي الذي عوض نسبيا القطاع الصناعي باعتباره العامل المركزي في ضخ الأموال بميزانية حكومات هذه المجتمعات.
– منح الأولية للمعلومة والمعرفة بوصفهما عوامل أساسية في الإنتاج الرأسمالي.
– تكثيف الإنتاج الإبداعي، وتأهيل المجتمع للقراءة و الكتابة.
– ظهور طبقة اجتماعية جديدة تتمثل في النخب التقنية في العصر ما بعد الصناعي، مما يعيد النظر في التقسيم الاجتماعي القديم بين النموذج القروي والنموذج الصناعي الحضري .
أصبحت النظريات السوسيولوجية التي تفسر التغير الاجتماعي الذي حدث في المجتمعات الغربية عموما، تأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الجديدة التي ظهرت مع التطور المعلوماتي والتكنولوجي و تكثيف الإبداع و الاستثمار في الخيال باعتبارهم موارد اقتصادية مهمة، و هذا يحيلنا في السياق نفسه على المفهوم الجديد، ألا وهو الاقتصاد الإبداعي ( creative economy). يعرّف ترامبلاي هذا المفهوم بأنه لا يقتصر فقط على الصناعة الثقافية بمفهومها لدى مدرسة فرانكفورت، و لكن يضم أيضاً صناعات إبداعية و صناعة الحواسيب و الهواتف الذكية و البرامج المعلوماتية، وفن التصميم، و غيرها من الصناعات التي توظف الخيال الإبداعي. هذا المفهوم الذي استقطب الباحثين مؤخراً في الدراسات الاقتصادية و السوسيولوجية باعتباره إبدالا جديدا نحو نموذج متعدد التخصصات يحمل في واسطته تداخلا بين الاقتصاد و الثقافة و التكنولوجيا، و يتمركز حول المحتويات الإبداعية والخدماتية. إن ولوج الثقافي والتواصلي والمعلوماتي إلى منطق التجارة والصناعة أدى وسيؤدي حتما إلى تغيرات في طريقة عمل هذه القطاعات الاقتصادية، ناهيك عن التغير الجذري في البنية الرأسمالية في حد ذاتها. لنأخذ على سبيل المثال القيم الرأسمالية الجديدة التي اكتسحت جميع القطاعات باختلاف تخصصاتها: إن الإبداع و الجودة و المرونة و الخيال و التفرد، كلها قيم تنحدر من مجال الاقتصاد الإبداعي الذي يستثمر في الثقافة و التواصل بالأساس.
يضخ الاقتصاد الإبداعي ملايين من الدولارات في خزينة الدول المعلوماتية مثل الصين (61,360)، و إيطاليا(28,008)، و الولايات المتحدة (25,544)، وألمانيا (24,763)، وأبريطانيا (19,030)، وفرنسا(17,706)، وكندا(11,377)، و بلجيكا(9,343)، وإسبانيا(9,138)، كلها أرقام بالملايين لسنة 2005 سيقت هنا للقارئ على سبيل الاستئناس حتى يتمكن من فهم دور الجامعات والمعاهد في تكوين طبقات اجتماعية جديدة تشغل وظائف تقنية وإبداعية متخصصة في مجال الصناعات الثقافية، و كذلك ليدرك أن الثقافة العضوية للشعوب أصبحت هي الأخرى محط استثمار و تصدير لمجتمعات أخرى، و يشهد العالم موجة جديدة من الزحف والاستعمار ، ألا وهو الزحف الثقافي الذي يصدر الألعاب والأفلام والإشهار و البرامج المتلفزة و غيرها من المعلومات الموثقة لغزو مجتمعات أخرى مازالت لم تتسلح بعد بثقافة المعلومة، بل هي سهلة التدجين تحت ضغط الآلة الدعائية الرأسمالية.
لماذا لم تنتقل هذه المجتمعات الأخرى صحبة المجتمعات المتقدمة إلى اقتصاد المعرفة والخيال و الإبداع؟ ما سر تخلف هذه المجتمعات عن ركب العولمة المعلوماتية، حتى تسجن في قفص مستهلكي ثقافة الحاكم؟ ماذا حصل في تاريخ هذه المجتمعات المتخلفة، حتى أصبحت اليوم تقوم بدور المستهلك الدمية الذي تحركه القوى الاقتصادية متعددة الجنسيات؟
يقول أونغ بأن الشعوب المتقدمة بما فيها بعض الشعوب الآسيوية مرت بثلاث حقب تاريخية مهمة، حيث انتقلت ثقافات هذه الشعوب من مرحلة الشفهية، بعد اكتشاف الطباعة، حيث انتشرت القراءة والكتابة على نطاق واسع، و ظهرت الرأسمالية الطباعية في المرحلة الثانية لتغزو السوق بجميع أنواع الكتب والصحف والمطبوعات، مما أهل هذه المجتمعات لاستقبال المولود الجديد، ألا وهو الاختراع التكنولوجي الرقمي الذي سيدخل هذه المجتمعات في مرحلة ثالثة، أُطلق عليها إسم “الشفهية الثانوية”.
إذن، ماذا وقع لنا نحن في العالم الثالث؟ بكل بساطة، نحن نمر الآن وفق أونغ دائما، من المرحلة الشفهية الأولى إلى المرحلة الشفهية الرقمية أو الثانوية بعد القفز على مرحلة أساسية في تاريخ ثقافة الشعوب المتقدمة، ألا وهي مرحلة الكتابة و الطباعة، تلك مرحلة تخلفت عنها جل مجتمعات العالم الثالث، و هي مرحلة مؤسسة للمعرفة في تاريخ المجتمعات المتقدمة، إذ شهدت إنتاج العلوم و الأدب و الفلسفة والنظريات الكبرى، كما شهدت تطور المجال العام و ترسيخ مبادئ الديمقراطية، فأهلت الشعوب المتقدمة لخوض غمار المرحلة الثالثة.
أين نحن من هذا؟ بسبب عدة عوامل اقتصادية وسياسية و تاريخية، قمنا بالقفز على المرحلة الثانية، و لم نحاول تدارك المسافات البعيدة و طي الأشواط التي حققتها المجتمعات المتقدمة. وبعد استقلالنا من الاستعمار المسلح، بقينا نرزح تحت وطأة الاستعمار أو الإمبريالية الاقتصادية بشتى تجلياتها. ماذا أعدّ المجتمع المغربي والجامعة المغربية من مصفاة على ذكر شومسكي لغربلة المعلومة التي تحملها لنا يوميا أمواج العولمة الدعائية؟ هل سيظل المغرب مستهلكا صامتا لثقافة مصنعة، تنتجها شركات عملاقة بإيديولوجيات إمبريالية، أم سيستعد لدخول المنافسة بقمر صناعي جديد، قد يمكنه من توظيف الطاقات المحلية و الاحتكاك بالخبرات الأجنبية و تجميع المخزون الثقافي الهائل، والاشتغال عليه إبداعيا قصد تسويقه محليا و دوليا؟ هل ستصبح جامعتنا يوما تنتج ثروة حقيقية، وتعتبر محركا رئيسيا للاقتصاد الوطني؟
ستظل مجموعة من التساؤلات مطروحة على واقع الاقتصاد الوطني في الظروف الراهنة أمام تدفق أعداد هائلة من خرّيجي الجامعات على ساحة العطالة. ما هو السبيل لحل معضلة البطالة الجامعية؟ هل نقفل هذه الشعب والتخصصات، أم نعمل على تطوير اقتصاد إبداعي يستطيع استيعاب الطاقات التي تصدرها الجامعة المغربية، و التي هي الأخرى مطالبة بتغيير برامجها نحو متطلبات سوق إبداعي جديد؟ ليعلم ساسة هذا البلد، أن العالم اليوم قرية صغيرة، تتحكم فيها شركات عملاقة تضع شروطها للعمل، إذ ما يهمها هو تحقيق الأرباح، فهي تشترط التأهيل و المهارات التقنية والتواصلية و الإبداع، ولا يهمها بتاتا ما إذا كان هذا العامل مغربيا أو موريتانيا. إن الانتماءات العرقية أو الهوية الوطنية تذوب أمام شروط المهارة و المعارف المطلوبة في السوق، فالهند مثلا، قد تصدر عمالة غير مؤهلة لأمريكا، بينما تصدر عمالة جد مؤهلة من أطباء ومهندسين لإنجلترا.
يجب أن نعي جيدا أن مستقبل الاقتصاد الإبداعي في المغرب هو رهين بالدرجة الأولى بسياسة دولة، تخرج الاقتصاد الوطني من نموذج الريع الذي يستثمر بشكل غير منظم في العقار و الاستغلال العشوائي لمقالع الرمال و لتراخيص صيد السمك في أعالي البحار، و بالدرجة الثانية رهين بتأهيل المجتمع فكريا ومعرفيا نحو الاستثمار في الخيال، وهذا لن يتحقق بدون إرادة سياسية تعمل على محو الأمية و نشر ثقافة الكتابة و القراءة، و تشجيع الخيال باعتباره محركا أساسيا لاقتصاد المعرفة.
لن تستطيع الجامعة المغربية الانعتاق من قمقم التخصصات المعرفية الكبرى، لكي تتجه نحو التخصصات الدقيقة دون وجود أرضية اقتصادية إبداعية صلبة تستقبل خرّيجي هذه التخصصات الجديدة، و دون تأهيل الأطر الجامعية و إعادة تكوينها في تخصصات دقيقة مرتبطة بمجال تكوينها المعرفي العام، و تطوير اللغة الانجليزية كأداة للبحث الأكاديمي.
إنه لمن العبث أن تقوم جميع المؤسسات الجامعية بإعادة إنتاج مسالك إجازة مكررة في جميع أنحاء المغرب بأسلوب ومبادئ ماكدونالدز. لقد حان الوقت في التفكير في إبدالات جديدة تؤسس لاقتصاد معرفي جديد، ينبني على الإبداع و الاستثمار في الخيال، و يسوق الثقافة بأشكالها المتنوعة، حيث لما سيتم إنشاء جامعات بتخصصات جديدة، تبتعد عن التقسيم الأزلي بين الأدب والتاريخ وعلم الاجتماع، و غيرها من التخصصات، و يعتمد حاجيات السوق، و التكوين الملائم للتوظيف، و التنويع في البرامج من جامعة إلى أخرى، هذا كله سينعش البنية الاقتصادية في المغرب. إذن، هل سيأتينا يوما نسمع فيه عن جامعة أنشأت مسلكا في الأدب و الفيلم مثلا، و أخرى مسلكا في الأدب والكتابة الصحافية، و أخرى مسلكا في الدين والدراسات الأمنية، و أخرى في سوسيولوجيا العنف، و اللائحة طويلة و متنوعة تضخ دماء جديدة في سوق المعرفة المحلي.
هل سيتحقق يوما حلم خلق اقتصاد إبداعي في المغرب؟ هل سيطل علينا يوما مستثمر مبدع له غيرة على النهوض ببلده، أكثر مما له غيرة على جيبه؟
ذ. محمد معروف، أستاذ بجامعة شعيب الدكالي
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=30785