أزمور أنفو 24 المتابعة:عبد الواحد سعادي : العمود // النقد الذاتي
معظم المغاربة كانوا يتوقعون رئاسة الحكومة الحالية لسع الدين العثماني الرجل الأستاذ والفقيه والطبيب والعالم والإنسان الرزين، لا يزعج العثماني السوسي إبن العلم أبا عن جد زهاء ألف سنة من الزمن أن يقارن بطيب رحب أردوغان رئيس الحكومة التركية، فهو يعتقد أن النموذج التركي تدبير إسلامي منفتح على الخارج يبقى تجربة مهمة يمكن للمغرب أن يستوحي منها أفكارا في عدة ميادين، فهل موقع الرجل المثقف الحكيم والرزين بعد إزاحته من الاستوزار في دكة الاحتياط يعتبر تصيدا الأخطاء وكبوات عبدالإله بن كيران على مستوى رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية كي يسند إلى العثماني مستقبلا مقود سفينة الحزب والحكومة معا في حالة فوزه بالأغلبية في انتخابات 2017؟؟
سعد الدين الفقيه الظليع والطبيب الناجح من مواليد 16 يناير 1956 بإنزكان، طبيب نفساني حاصل على شهادة في العلوم الدينية، متزوج وله ثلاثة أبناء، من أسرة غنية وعريقة ومحافظة، فوالده محمد العثماني كان مرجعا دينيا في منطقة سوس مما رسم مسار حياة سعد الدين، عرف كيف يروح برنامج حزبه في الخارج مثلما كان عليه الحال في 2006 بأمريكا و2007 بإسبانيا.
في سنة 1979 يستقر العثماني بالدار البيضاء لمتابعة دراسته الجامعية في الطب، لتنطلق رحلته ضمن مجموعة من النشطاء الإسلاميين وهي المرحلة التي قادته إلى حزب العدالة والتنمية، حيث أصبح مسؤولا عن فرع الدار البيضاء، اخترع سعد مفهوم الضبط الذاتي لمواجهة إكراهات انتخابات 2002، يعني عدم تغطية كل الدوائر الانتخابية، غير أن الحزب حصل على 42 مقعدا ليصبح حزب المعرضة الرئيسي في البرلمان فيما خفض العثماني من سقف طموحاته في انتخابات 2003 البلدية حيث اكتفى بالترشيح في 20 في المائة من الدوائر.
في شهر أبريل 2004 يصبح الطبيب والفقيه السوسي أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية ليدخل الحزب مرحلة جديدة موسومة بنهج براغماتي جعل العثماني يزيح مصطفى الرميد الدكالي من رئاسة الفريق البرلماني لفائدة عبد الله باها أحد المقربين منه، ويقرر إغلاق أسبوعية العصرة التخلص من أحمد الريسوني، كذلك بدا الحزب في تغيير خطابه السياسي وتمييزه عن جماعة العدل والإحسان بإضفائه طابع الاعتدال والإقرار بدور الملكية ونهج خطوات من أجل تكريس وجود الحزب على الساحة السياسية في المغرب وكذلك في الخارج، وكان العثماني يتوقع فوز حزبه في الانتخابات التشريعية ما قيل الأخيرة ويحلم أن يعين وزيرا أولا يصب اهتمامه على مكافحة الفساد والفقر، وكان يرى عدم الحاجة إلى تعديل الفصل 19 بخصوص الإصلاح الدستوري، ويعتبر حزبه حزبا سياسيا لا حزبا دينيا ، لأن الفعل الديني مرتبط بالفتوى و الخطابة والمساجد وهذه أمور تدخل ضمن اختصاصات الملك بصفته أمير المؤمنين، وأن حزبه ليس حزب المنع، وان حزب العدالة والتنمية فيه نساء بدون حجاب، مؤكدا أن مصدر التشريع هو البرلمان وليس القرآن، ومع العثماني بدأ الحزب يلائم خطابه مع واقع الحال ومع التطورات التي يشهدها المغرب، في حين لم يكن عبد الإله بنكيران سوى رئيس المجلس الوطني للحزب إلى جانب بسيمة الحقاوي ونجيب بوليف وأبوزيد المقرئ الإدريسي ولحسن الداودي والمصطفى الرميد وعبد العزيز الرباح وجامح المعتصم وغيرهم، وكان عبد الله باها نائبا للأمين العام وعبد الله الوكوتي الرئيس الشرفي للمجلس الوطني وعبدالكريم الخطيب الرئيس المؤسس من طبيعة الحال.
الخطيب من مواليد 2 ماري 1921 بمدينة 1921 بمدينة الجديدة، درس بكلية الطب بالسربون وكان أول طبيب جراح في المغرب سنة 1951، أشرف جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني وهو ولي العهد على افتتاح عيادته بمدينة الرباط، ساهم عبد الكريم رحمه الله في تأسيس حزب الحركة الشعبية في أكتوبر 1957 قبل أن يؤسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سنة 1965 كان رئيسا لأول برلمان عرفه المغرب سنة 1963 وفي سنة 1973 اقترح الخطيب تغيير اسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى إسم النهضة الإسلامية دون أن يتمكن من ذلك في سنة 1996 فتح عبد الكريم أبواب الحركة الدستورية الديمقراطية في وجه قيادات حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي خلال انعقاد المؤتمر الاستثنائي قبل أن يغير إسم الحزب إلى حزب العدالة والتنمية.
درس الخطيب الطب في مدينة الجزائر العاصمة التي مكث فيها أربع سنوات وكان ممثلا للطلبة المغاربة في شمال إفريقيا، كما كان أول رئيس لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا قبل أن ينتقل إلى كلية الطب بالسربون، وتقلد الخطيب العديد من الوظائف الحكومية كوزير التشغيل والشؤون الاجتماعية ثم وزيرا مكلفا بالشؤون الإفريقية كما شغل منصب وزير الصحة، وساهم في تشكيل منظمة مساندة الجهاد الأفغاني بعد الغزو السوفياتي وزار مخيمات اللاجئين الأفغاني في بيشاور وباكستان مثلما ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لمساندة البوسنة والهرسك.
في يونيو 1996 وحزب الاستقلال يشتغل بالكثلة ويقود الشيوعيين التقدميين والاشتراكيين الاتحاديين نحو تقلد الحكم أثناء مرحلة السكتة القلبية كان في المقابل حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية يستأنف نشاطاته السياسية بقيادة عبد الكريم الخطيب بإدماج إسلاميي حركة الإصلاح والتجديد في صفوفه. وكانت حركة الإصلاح التي تعتبر المحرك الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، غير أن عملية إدماج إسلاميين داخل الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية كان محصلة اتفاق بين الخطيب والراحل الحسن الثاني رضي الله عنه الذي كان يرغب في مشاركة إسلاميين معتدلين في اللعبة السياسية من أجل احتواء تأثير الحركات الإسلامية المتشددة المتطرفة ، وكان الخطيب ضمانة لنجاح هذا الرهان الذي نتج عنه فوز هذه الفسيفساء الحزبية بتسعة مقاعد في الانتخابات التشريعية لسنة 1997، وهكذا رجال الدولة من العيار الثقيل يشتغلون إخلاصا للشعب وضمانا لاستقراره وتنميته ووفاء للملك إبن الملك الذي ضحى بسلطانه في سبيل الوطن، هكذا كان المناضل الوطني الفد امحمد بوستة يلف اليساريين اشتراكيين وشيوعيين من جهة والأستاذ العظيم عبد الكريم الخطيب يلف المتشددين المتطرفين من جهة أخرى، فهل عندنا اليوم سياسيين وطنيين من هذا العيار؟
في سنة 1999 أصبح سعد الدين العثماني أمينا عاما بالنيابة غير أن انتخابه في هذا المنصب كان بمثابة تسوية من أجل تهدئة الحرب الخفية بين فروع الحزب بالرباط ومثيلاتها بالدار البيضاء، وكان زب الحركة الشعبية الدستورية والديمقراطية قد قرر في 1998 تغيير إسمه ليصبح حزب العدالة والتنمية لينتقل من وضعية الحزب الذي يقدم مساندة نقدية لحكومة اليوسفي إلى حزب معرض خلال انتخابات 2002 وفي سياق المفهوم الجديد للسلطة الذي ما فتئ الملك الجديد محمد السادس نصره الله يدعو إليه منذ توليه العرش في يوليوز 1999. وتمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق فوز انتخابي غير مسبوق في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 بعد فوزه ب42 مقعد ليصبح أول حزب معارض في البرلمان المغربي بعدما ولج التقدميون والاشتراكيون الحكم، غير أن أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء وضعت العدالة والتنمية الحزب الإسلامي في قلب الإعصار بالنظر للدور التحريضي الذي تقوم به صحافة الحزب وبخاصة جريدة التجديد التي لا يعرف أحد من المسؤول عنها حزب العدالة والتنمية أو حركة التوجيه والإصلاح الدعوية، وفي شهر أبريل 2004 ينسحب عبد الكريم الخطيب عن الأمانة العامة ينسحب عبد الكريم الخطيب عن الأمانة العامة للحزب لفائدة سعد الدين العثماني الذي انخرط في مسلسل هادئ لتنظيم البيت الداخلي للحزب تحسبا للاستحقاقات المقبلة حيث أزاح مصطفى الرميد من رئاسة الفريق النيابي للحزب لفائدة عبد الله باها، محاولا أن يظهر بأن الحداثة لا تتعارض مع الهوية الإسلامية ، مشددا أن المغاربة يبدون منشغلين بقضايا البطالة والماء والصحة والتعليم واعتماد الشفافية أكثر من انشغالهم بعلو صومعة المساجد مضيفا أن المرجعية الإسلامية ليست الإخيارا أخلاقيا.
كشف المؤتمر الوطني الخامس المنعقد بتاريخ أبريل 2004 أن الحزب بدأ يجمع بين المرونة في معالجة قضايا معينة وبين التشدد في أخرى، غير أنه فهم أن المناورة تبقى صيغة مقبولة تسمح بها السياسة الشرعية ويجد صعوبة في توضيح مواقفه من عدة قضايا يدرك أن الإفصاح عنها سيعرضه للأسوأ، يبدأ تاريخ الحزب من عتبة الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ومساهمة الخطيب وعبد الله الووتي في صياغة المعالم الرئيسية لمسيرة الحزب تصورا وممارسة، فيما تبقى حركة التوحيد والإصلاح العمق الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية في معارضة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية إلى الهجوم على كتابة مكانة المرأة في الإسلام، مما يؤكد أن خطاب العدالة والتنمية يتسم بنوع من الضبابية في الرؤيا السياسية وأنه يستند على مرجعية دعوية أخلاقية وان من شأن امتزاج الجانب الدعوى الأخلاقية بقواعد العمل السياسي أن ينتج خطابا ملتبسا مفتوحا على كل التفسيرات فالأمر لا يتعلق بحزب سياسي يمتلك آليات حزب ولكن بثقافة حركة نضالية دعوية تعتمد خطابا مركبا لمواجهة المعتدلين والمتطرفين حسب الظروف تنضاف إليه نزعة براغماتية من أجل اقتناص فرص تأخد بعين الاعتبار وإكراهات ومتطلبات العمل السياسي العصري.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=11613