5-زيارة الأضرحة والمرأة:
من الناحية الكمية نجد أن المرأة هي الزبون الأول للأضرحة وهذا يجعلنا نتساءل عن سبب هذا التميز العددي للمرأة كزائرة ومترددة باستمرار على هذه الفضاءات. أشرنا في ماسبق الى بعض العوامل التي لها علاقة بالبنية الاجتماعية وبعلاقات السلطة المتواجدة داخلها. فالمرأة رغم تفوقها العددي فهي تنتمي الى أقلية نوعية أو لنقل الى شريحة اجتماعية مسيطر عليها من طرف سلطة أخرى مهيمنة وهي سلطة الرجل التي تعتبر المرأة عنصرا ضعيفا تابعا ولا حق له في إبداء الرأي. وقد ساهم في دعم هذه الكليشيهات والصور الذهنية المسبقة حول المرأة ثقافة قديمة تكونت منذ القدم وتعددت مصادرها ولا مجال هنا لتعدادها، وعاشت المرأة داخل هذه الصور واستبطنتها لضعفها وعدم قدرتها على منازعة سلطة الرجل وأصبحت تتصرف وفق هذا التصور الذكوري للمرأة كشخص ضعيف يلجأ الى الكيد والسحر ويلجأ الى قوى غيبية للاستغاثة وطلب العون. قد يطرح هذا الأمر إشكالية الحدود الفاصلة بين الثقافة والطبيعة- 1945Ponty – وأكاد أؤمن بأن هذه الصورة هي في أصلها ثقافية وليست طبيعية بيولوجية، فالإنسان المقهور في نظام اجتماعي معين يستبطن ضعفه ويبرره أحيانا حتى يتمكن من العيش داخل هذا النظام وحتى يتجنب الصراع المباشر. قهر المرأة بدأ منذ فجر التاريخ واستمر بدرجات متفاوتة حسب الأنظمة الاجتماعية والمعتقدات الدينية وتحول الضعف الناتج عن هذا القهر الى طبيعة بشرية وهذا ما تحاول الحركات النسائية أن تحوله الى مجرد ثقافة مفروضة من طرف المجتمع الذكوري.–كتابات نوال السعداوي وغيرها-
هذا الفهم الخاص لعلاقة المرأة بالأضرحة يجعلنا نضع الظاهرة في إطارها الاجتماعي والثقافي النسبي و نفسرها من داخل البنية الاجتماعية بسلطها وعلاقاتها المتعددة. تعتبر زيارة المرأة للأضرحة نموذجا للتعبير والتواصل النسائي فهي تلجأ الى فضاء تقل فيه سلطة الثقافة الرسمية وتتقوى فيه سلطة المرأة لكن الوسائل المتاحة للتعبير وللتواصل جد محدودة، فتكتفي المرأة باعترافات وعلاقات محدودة وتلتجئ معظمهن الى التواصل مع قوى غيبية تعتقد النساء أنها أكثر قوة من الرجل والنظام الاجتماعي الذي يقهرها و أنها قادرة على مساعدتها.
قد يرى بعض الباحثين في الظاهرة تدينا خاصا بالنساء أو على الأقل روحانية نسائية خاصة، وقد يكون ذلك صحيحا الى حد ما، لكن، وبالإضافة إلى ذلك، الأمر كما يبدو لي هو تعبير عن رد فعل اجتماعي لشريحة اجتماعية مقهورة ومسيطر عليها ومحرومة من التعبير والمطالبة بحقوقها. إن القهر وغياب قنوات الحوار وغياب المؤسسات التمثيلية يجعل من سلوك المرأة هذا سلوكا سياسيا سلبيا أو نوعا من أنواع المقاومة السلبية ويربط زيارة النساء للأضرحة ببنية القهر التي تعيش فيها وبالحاجة الى فضاء أكثر حرية وتواصلا.
6-مستقبل الظاهرة :
في ختام هذا المقال أعتقد أن الظاهرة تعتمد في وجودها على شروط موضوعية ثقافية واجتماعية، تتغير بتغيرها. .إن تحسن وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي سوف يقلل من حاجتها الى اللجوء الى الأضرحة، فوجود الفضاءات الحرة والمؤسسات الاجتماعية والسياسية سيجعلها في غنى عن هذا الفضاء وعن الوسائل المحدودة والغير الواقعية التي يوفرها. كما أن انتشار الطب سيلغي تدريجيا الوظائف الطبية للأضرحة، وانتشار الأحزاب السياسية سيقلص من الدور السياسي للشرفاء والمرابطين ويجعل من انتماءاتهم للأولياء مجرد امتيازات فخرية لا تأثير لها على الواقع السياسي.
إن تغير البنية الاجتماعية المتسارع قد يغير من الوظائف التي يسندها الناس للأضرحة لكن تأثيرها على الخيال الشعبي والنفسية الخاصة ببعض الشرائح الاجتماعية كالنساء سيبقى محدودا ويبقى القضاء على تلك الطقوس والاعتقادات الإحيائية رهين بسيطرة العقل وكلما ضعف هذا الأخير برزت تلك المعتقدات ولو في أشكال مختلفة، فحتى المجتمعات الأكثر عقلانية لم تستطع التخلص بطريقة نهائية من هذه المعتقدات.
المراجع
1-مدينة آزمور وضواحيها ، من سلسلة مدن وقبائل المغرب، ترجمة وتعليق محمد الشياظمي والحاجي السباعي، مطابع سلا،1987.
2-التازي عبد الهادي،”آزمور مولاي بوشعيب من خلال التاريخ المحلي والدولي”، ص 87-119
3– التشوف ص ص187-192
Références :
1-AOUATTAH Ali, « Anthropologie du pèlerinage et de la sainteté dans le maraboutisme marocain », IBLA,1995,t.58,n°175,p.31-54.
2-EAGLTON Terry, Ideology,London and New York,Longman,1994.
3-KRIS, Ernst, Psychoanalytic Explorations InArt, New york International Universities Press, 1952.
4–MERLEAU-Ponty,Phénoménologie de la perception, Gallimard, 1945,(voir p.220)
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=1128