عبد العظيم حمزاوي عن جريدة “الحياة” عن جريدة” الإتحاد الآشتراكي”
سحر مغربي
تاريخ النشر: الثلاثاء 22 أبريل 2014
حصلت أشياء كثيرة منذ آخر مقال كتبته هنا. ذهبت إلى المغرب وعدت، وعندما نسافر تتغير أشياء فينا. ليس فقط الأماكن الجديدة التي نراها و الأشخاص الجدد الذين نلتقيهم. لكن هناك أشياء أخرى تعتمل في داخلنا. تتحرك صخور وتُزاح أخرى. أؤمن أن في داخل النفس الإنسانية أسواراً صخرية، بعضها نجدها فيناً وفقاً للبيئة التي ننشأ فيها، وبعضها نبنيها لأنفسنا مع الزمن و تراكم الخبرة بالتجربة و الخطأ. و مع كل سفر جديد نغير في هذه الأسوار، قد نُعلّيها أو نزيح بعض صخورها ونفتح فجوة. التقينا بكتّاب وأساتذة جامعة، اعتدنا في الشرق تسمية أساتذة الجامعة «دكاترة» لكن هناك لم نسمع لقب دكتور، الكل كان أستاذاً وكفى، و قيمته كانت في مخزون علمه و تواضعه الجم و كرم أخلاقه وليس في ألقابه. وتذكرت كاتبة تصر أن تسبق اسمها كلما قدمت نفسها بـ «الدكتورة» و ذلك الكاتب المغمور الذي لا يرضى إلا أن يسمى بالدكتور الأديب، قد يكونوا قد تحصلوا على درجة الدكتوراه في تخصص لا علاقة له بالأدب مثل تصليح الثلاجات مثلاً وربما في الأدب، ولكنهم يُصرّون أن يكون ما يقدمهم هو لقبهم وليس أدبهم. في المغرب لا أحد يأبه لهذا. فالكل سواسية لا فرق بينهم إلا بالإبداع والعمل الدؤوب.
كنا في ملتقى للسرد يقرأ فيه نقاد مغاربة نصوصنا المتواضعة، وكان أكبر كاتب فينا إنجازه أقل من أصغر كاتب لديهم، ورغم ذلك عاملونا كما لو كنا نجوماً في سماء الأدب و هم تلاميذ. هو التقدير المغربي للكلمة المكتوبة، لجوهر الأدب، وللضيف الزائر، وللتجربة الإنسانية في المجمل. و تذكرت بعض الكتبة الذين ما إن يصدر للواحد منهم كتاب، بغض النظر عن محتواه، حتى يُسمي نفسه «أديب» و يُصرّح بكل «بساطة» بأن عمله القادم سيكون علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي. والبعض يرى حصوله على جائزة ما، من سوق الجوائز العربي الرائجة هذه الأيام، تتويجاً له على رأس الأدب العالمي، فيتقرفص على بساط الصحافة مُنظّراً حول عبقريته اللامسبوقة وإبداعه اللامحدود. و أتساءل هل الغرور دمغة مشرقية نجا منها المغربي؟ |
جاءوا لحضور ملتقانا من مسافات بعيدة، بعضهم قاد سيارته لثمان وخمس ساعات، و بعضهم قطع أكثر من أربع عشرة ساعة بين سيارة وقطار و حافلة ليحضر الملتقى، وأتذكر ندواتنا الأدبية التي تصفر في أروقة قاعاتها الريح، و أتخيل لو خرج لنا نجيب محفوظ من قبره لما تكبد أحد قطع هكذا مسافة لحضور ندوته.
منذ وطأت قدماي أرض المطار في كازابلانكا، كنت أبحث عن السحر المغربي. ذلك السحر الذي سمعنا عنه كثيراً عندنا، الذي يحول الرجل إلى ضفدع، و المرأة إلى سحلية، و يجعل باقي الشعب طيوراً تطير. أردت أن أطير، أن أعود محلقة بجناحين و تخيلت أنني لن أهبط إلى الأرض مجدداً، سأبقى محلقة مع أسراب الطيور الحرة و ستكون المرة الأولى التي يسعدني فيها أن أكون ضمن «سرب».
عدت من المغرب و أنا أدرك أن السحر المغربي الوحيد هو في ذلك الكم من حب الأدب، من التقدير والتواضع، من كرم الضيافة اللامتناهي، من الاجتهاد في العمل، وليس في الخزعبلات التي نظن بأنها يمكن أن تُسيّر أقدارنا وتجعل من شخص لا يطيقنا حبيبا، و تحرك مراكبنا الواقفة، وتفتح لنا صناديق الحياة السوداء.
«ما رأيك بالسحر المغربي؟» سألت أحد الكتّاب المغاربة. قال ضاحكاً، و هو ينظر حوله في سوق شعبي مليء بالباعة المتجولين: أنظري حولك لو امتلكنا سحراً حقاً أما كان كل هؤلاء الفقراء أشخاصاً أثرياء؟. تطلعت حولي و أنا أشعر بأن الثراء ليس امتلاء الجيوب و لكنه امتلاء القلوب تواضعاً و محبة، و قد رأيت المغرب غنياً جداً به.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=6824