أزمور أنفو 24 المتابعة: بقلم عبد الواحد سعادي
وجدته جالسا الى النهر متوسدا الرمل الذهبي ،وجهه متعب ،حفرت الايام على وجهه وجها آخر لم يكن قناعا،وجها آخر من رمل لاتذروه الرياح العاتية تحسست بأصابعي خشونة وجهه الرملي الذي صقلته السنون ،فنهرني باطنا لأتوقف ظاهرا.
كانت الشمس تستعد للرحيل،لحظتها أدركت ان الشمس عديمة الوفاء،لكنها سرعان ما تمارس خديعتها تثير الأحلام بيوم جديد في قلوب الناس الفقراء منهم والاغنياء،لكنها سرعان ما تمارس خديعتها اليومية،حين ترحل عند الغروب،ليبقى العقل البشري ناقصا حتى ينتظر شروق يوم جديد،ويخلع من يومياته يوما نحو الرحيل الأكبر.
صاحبنا ذاك كان مجنونا بنظر الكثيرين ،يبكي في حفلات زواجهم،ويضحك في الجنائز وجدته متوسدا الرمل الذهبي جالسا الى النهر،يشرب النهر من عينيه فيفيض كل عام،فى يجد قربانا للنهر سوى نفسه.
سألته يومها عن قصته والنهر فأجاب : ولدت بلا روح وبحث جسدي عن الروح ،طاف جسدي أياما وليالي فلم أجد روحا تقبل الحلول،حتى وجدت روحا عاثرة متعبة أسيرة طريدة في مظهرها عند مجمع البحرين،رجوتها فما قبلت قلت لها ان جسدي لا روح وأنت روح كسيرة لن تجدي غيري فانتفضت غضبا،وحتى تبللت كسوتها من ندى يوم لم يأت،قالت الروح :أنا غفارية ومن أبي ذر سري،وقبلها كنت جعفرية ،تحب القراء والفقراء حامت وطارت،واستبدلت اليدين بجناحين ،أتمن علي بحلولي إليك وانا أجل قدرا وأعلى مرتبة منك.
بعد أخذ وعطاء حلت الروح في الجسد فكان انبعاثا جديدا لي ،منذ ذلك الحين مازلت أتوسد الرمل الذهبي،جالسا الى النهر،كان ماؤه عذبا،دمعتي المالحة سقطت فيه وتدحرجت من عل فاستحال النهر الى نهر مالح،غير أن النهر مازال يشرب من دمعي ودمي يوميا،هذا النهر الذي لا يرتوي ولا يرتاح حتى يكون انبعاثي الجديد عندها قد يطلق النهر سراحتي قلت له:أي للنهر سر النجاة أنا، فما سمع مني،قلت له،أنا ماسح الغبار عن أرديتكم واحدا واحدا ،أنا ماء الوضوء على أقدامكم ،فسكت النهر حين نظر الى البحارة يغسلون أقدامهم الشقية فيه ويرحلون كذات الشمس دون وفاء.
تحيرت في الرجل ،وتوسد الرمل الذهبي منذ ألف عام،يجلس الى النهر،يمر عليه البحارة والغزاة،بقي على ذات جلسته،في يمناه يكمن السر،وفي سره اليمن سألته عن رايته أين هي؟ وهل أضاع الراية مع الرايات التي خرجت ولم تعد حتى اليوم فأجاب: رايتي خضراء مفدية عليها سبعة نقوش هي أمهات الحروف ظاهرها أسود وباطنها أبيض،وفي عين أهل السر خضراء مفدية ما ضاعت وسط المراكب و لا تبللت،وان هبت لياليها العاتياتبين وقت وآخر ،أخرج الراية من حفرة في الرمل الذهبي،نصبها تحرك من مكانه لأول مرة قال أنت اول من يسألني عن رايتي..انتظرتك منذ ألف عام ،كلهم أضاعوا الريات ،حتى غطاؤ رؤوس أمهاتهم سلموها الغريب وصنع منها راياته في اعالي البحار،اما انا فدفنت رايتي في الرمل الذهبي خوفا عليها فما دفنت راسي في الرمل وبقيت عيوني الحمراء تقدح الافق بحثا عن مركب ،فما وجدت سوى مراكب الغرباء تجوب نهري بحثا عني فما اكتشفوني ،فرايتي في الرمل الذهبي مدفونة ،روحي غفارية وتارة جعفرية ،أمس فقط دخل النهر مركبا جدفا جهلا ،وخرجا الى حيث لا رجعة ،واليوم أرفع رايتي بحضورك وشهادتك ،قلت له ،ما قصدك بقولك ” سر النجاة أنا ماسح الغبار عن أرديتكم أنا ماء الوضوء على أقدامكم أنا” قال بعد أن جلس النهر اليه هذه المرة وتوسد الرمل الذهبي الى كتفه،انتظرك الف عام وهذا أوان ظهور رايتي فوق الريات ويدي فوق الايدي ،سر نجاتكم في رايتي فوق الرايات ويدي فوق الايدي ،سر نجاتكم في رايتي هذه فان قبلتم نورها تبدد ظلامكم ممتدا الف عام جديدو ،لا أكون عندها موجودا بل أرحل..لأجلس الى نهر جديد وأتوسد رملا آخر وتكون روحي عندها لا غفارية ولا جعفرية.
سكت صاحبي لحظات أمام كهولته بيديه،بحث عن دمعته المالحة في النهر ،فما وجدها كان كل النهر مالحا أمسك بعصاه التي ياوكأ عليها وله فيها مآرب أخرى ،نهض داعب لحيته البيضاء قليلا ورسم على رمل النهر نقشا بعصاه ،من حرفين هما الميم والعين ،ظاهرهمايعني مع.. وانقلابهما يعني السؤال في عم ومن سر .. عم يتساءلون عن النبإ العظيم صدق الله العظيم.
قال:أقلقتني بكثرة أسئلتك غير أني عائد الى الجبل مستدعي لا مستثني ،لا راغب هناك أزرع رايتي في قلب الجبل في البحر ايام قليلات ،اما ها هنا حيث العلائق والاشواك والرعب وفحيح الافاعي والاغصان المناسبة فوق الفروع فصح حتى تبح حنجرتك بالصياح فلن يسمعك آدمي لان قانون الغاب هو العالي ..هو الساري..هو الطاغي فانت مجرد ماء وضوء واهل الغابة هنا يتيممون ولا يصلون،ووصفة الختام قطرة النهر الربيع هكذا ماء وضوء طهور أو صبيب النهر على رؤوسهم وأقدامهم لعلهم يغتسلون.
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=9022