المتابعة:عبد العزيز الماحي أستاذ باحث وعضو مختبر.مع نهاية سنة 2014 تكون الهيكلة الجديدة للبحث العلمي بالجامعة المغربية قد دخلت في مرحلتها الثانية وبذلك قد تخطت مرحلة التأسيس التي بدأتها قبل حوالي أربعة سنوات. هذه الهيكلة الـجديدة التي ارتـكـزت عـلى أسـاس بنيات بحث جديدة و وحدات عـلى الشكـل الـتالي ( مجموعة البحث، المختبر، مركز دراسات الدكتوراه على صعيد المؤسسة الواحدة، ثم أخيرا المركز الجامعي للبحث الذي يتجاوز إطار المؤسسة الواحدة) وهي بذلك شكلت خطوة مهمة في أفق السمو بالبحث العلمي الذي عانى في الماضي من التبعية وخضع للتسيير الإداري ذي الطبيعة البيروقراطية.
ومما لاشك أن هناك رهانين يواجهان هذه الهياكل الجديدة للبحث العلمي بالجامعة المغربية اليوم بعد تخطي مرحلة النشأة. أولهما الحكامة الجيدة وإحقاق الشفافية في تسييرها وتدبيرها وهذا الهاجس تشترك فيه مع باقي الهيئات الجامعية. ثانيهما الاستقلالية بالبحث العلمي عن باقي الهيئات والهياكل الإدارية وذلك نظرا لخصوصياته وضرورة قيامه بذاته.
كل هذا يقودنا لملاحظات محورية حول بنيات البحث العلمي وتجديد هياكل مركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة. ألا يجعل تجديد المختبرات وإعادة تنظيمها واندماج بعضها وخلق أخرى جديدة مع نهاية سنة 2014 من إعادة هيكلة مركز دراسات الدكتوراه ضرورة ملحة بل أولوية الأولويات في ميدان البحث العلمي بالمؤسسة.
بعد انصرام أزيد من خمسة أشهر على تجديد المختبرات لا يلوح في الأفق أي مؤشر على إعادة هيكلة مركز دراسات الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة واختيار/تعيين مدير جديد لإدارة الفترة المقبلة. مدير جديد يجب بالإضافة إلى كفاءته العلمية أن يحقق نوعا من الإجماع حوله ويتميز بالمرونة التي تخول له التعامل مع جميع الفرقاء والفاعلين بدون تمييز، سواء من يشاطرونه الرأي أو من يختلفون معه. فالتعيين هو في أصله اختيار ومهمة دقيقة تقع على عاتق مسؤولين محددين ولا يعني بتاتا فرض شخص معين، أيا كان شأنه ومهما بلغت مرتبته، خصوصا إذا كان لا يحظى بثقة الجميع و لا يستطيع أن يتواصل معهم وإلا أضحينا والحالة هذه في منطق فرض الوصاية. نعتقد بوجوب وضرورة الفصل والتمييز بين الاختيار والتعيين وهو أمر ليس اعتباطيا بنظرنا. الاختيار يأتي كمرحلة أولية و مؤسّسة ثم يأتي بعد ذلك التعيين فقط لإضفاء الطابع الرسمي عليه. والخلط بينهما هو خطأ جسيم قانونيا ومبدئيا مثل أن نخلط بين الشرعية والسلطة الـعلـميـتين من جهة والمسطرة الإدارية من جهة أخرى. وفي كل الأحوال ومهما حصل فالتعيين لا ينبغي أن يفتقد شرعية الاختيار الأولي وإلا أضحى تحكميا وخاضعا لمنطق استبدادي. كما أن من بين دواعي الخلط المترتب عن تهجين كـلمة “تعيين” واستعمالها كمرادف لكل من الكلمتين الفرنسيتين Désignation و Nomination في الوقت ذاته، بينما هي في الأصل أقرب للمعنى الثاني.
فبعض المؤسسات الجامعية اقترحت أسماء لمدراء مراكز دراسات الدكتوراه بناءا على طلب مفـتوح للترشيحات (appel à candidature) مع تقديم مشروع وفي الأخير يتم اختيار أحد المترشحين من ضمن ثلاثة أفرزتهم لجنة مختصة وتعيينه رسميا من طرف رئيس الجامعة و كمثال على ذلك مؤسسات جامعتي القاضي عياض والحسن الثاني عين الشق.
بينما مؤسسات أخرى اختارت صيغة أقرب إلى الانتخابات حيث يختار المجلس الموسع لمركز دراسات الدكتوراه أستاذا باحثا متوافقا عليه خلال جمع عام تحضره جميع مكوناته. بعد ذلك يتم اقتراح اسمه على رئيس الجامعة و تعيينه بشكل رسمي في إطار مهمته الجديدة كمثال جامعة ابن زهر. كل هذه الصيغ المرنة هي للقطع مع منطق فرض الوصاية في ميدان البحث العلمي الحساس الذي يفترض أن تحكمه علاقات مغايرة مبنية على المهنية، الكفاءة، الشفافية، الإنتاج العلمي والتأثير الفعال في المحيط.
الأكيد أن الصيغة القديمة التي اتبعت في بعض المؤسسات وليس كلها و كان نائب العميد المكلف بالشؤون العلمية هو من يقوم تلقائيا مقام المدير، وصاحبت نشأة مراكز دراسات الدكتوراه في مراحلها الأولى، هي الآن في طور تراجع وانحسار. هذه الصيغة المبنية على الجمع (cumulle) ليس لها ما يسندها ويعضدها قانونيا اللهم هاجس التسهيل من الناحية الإدارية في فترة النشأة وقبل استقلالية مراكز دراسات الدكتوراه بذاتها. لذا يجب التأكيد على أن المرحلة الحالية مختلفة إذ أن مراكز دراسات الدكتوراه تتجه نحو استقلالية اكثر عن الهياكل الأخرى بالمؤسسات الجامعية بعد تجاوز مرحلة النشأة.
أما الاجتماعات الدورية المـنـصوص عليها في القانون الداخلي، على علاته ونواقصه، لم يتم الالتزام بها والتقيد بها على الأقل لحد الساعة. فمتى سيتم تجديد هياكل مركز دراسات الدكتوراه إن لم يتم ذلك مباشرة بعد تجديد المختبرات؟ فبعد مرور ستة أشهر على تجديد المختبرات أين برنامج العمل للمرحلة القادمة وأين هي اللجان الجديدة التي من المفروض أن تنبثق عن مجلس مركز دراسات الدكتوراه؟ وستة أشهر مدة لا يستهان بها في حياة المختبرات إذا عرفنا أن المدة الكاملة في عمرها الافتراضي هو ثلاثة سنوات وبذلك تمثل السدس 6/1. فالقانون الداخلي في حد ذاته هو نتيجة توافق طارئ في مرحلة معينة بين مختلف الفرقاء والفاعلين في ميدان البحث العلمي بالمؤسسة وتعديله يبقى واردا في ارتباط بتجديد الهياكل القاعدية. بمعنى آخر فالقانون الداخلي هو نتاج توافق في مرحلة سابقة ولا يعني ذلك أنه يصلح في صيغته الحالية للمرحلة المقبلة. لا بد لبنيات البحث العلمي أن تحظى بنوع من الاستقلالية عن باقي الهياكل الإدارية والهيئات الجامعية وعدم الإلحاقية بها أو التبعية لها نظرا لطبيعتها وخصوصياتها وهو رهان حقيقي يجب أن يعمل الجميع على تحقيقه .
المصدر : https://azemmourinfo24.com/?p=15336