ظاهرة الاولياء بآزمور 2/5 : الوظائف الاجتماعية للأولياء بمدينة آزمور

2013-10-08T17:15:21+01:00
ثرات أزمورثقافة و فنون
8 أكتوبر 2013آخر تحديث : الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 - 5:15 مساءً
ظاهرة الاولياء بآزمور 2/5 : الوظائف الاجتماعية للأولياء بمدينة آزمور

2-الوظائف الإجتماعية للأولياء بمدينة آزمور:

لعل كثرة الأولياء بالمدينة وتعدد وظائفها يفرض علينا تحليلها انطلاقا من البنية الإجتماعية والثقافة  التي أنتجتها، ولعل أهم ما يميز هذه البنية هو انتشار الأمية والتخلف العلمي وخصوصا في الطب، و سيطرة نفسية التواكل، وغياب العدل والتوظيف السياسي للظاهرة، و سيطرة قيم المجتمع الذكوري والقهر الإجتماعي للمرأة. كلها أسباب مرتبطة ببعضها البعض وتساهم بدرجات متفاوتة.

 

أ-الأمية والتخلف العلمي والحضاري:

إن انتشار الأمية يعد عاملا أساسيا في تفاقم هذه الظاهرة  وتطورها عبر التاريخ. فالإنسان الأمي يتلقى المعرفة الدينية أو غيرها عن طريق السمع و يؤ سس حياته وسلوكه على التقليد وتبقى ملكات النقد و التحليل غير متطورة عند أغلب الناس. إن اعتماد الإنسان الأمي على التجربة التي تصله عن طريق الحكي كمقياس للحكم على صحة أو بطلان اعتقاد معين يجعله عرضة للتضليل وهدفا سهلا لتمرير معتقدات تفتقد الى الموضوعية والعلمية.

من ناحية اخرى كان الجهل والتخلف الحضاري والعلمي لقرون عديدة  السمة البارزة الغالبة في المجتمع الأزموري الذي شهد ميلاد هذه الظاهرة وهي شروط يشترك فيها مع المجتمع المغربي ككل. فانتشار الطب الشعبي بوسائله الإستشفائية المادية و المافوق طبيعية جعل من الاستعانة  باللأولياء في حياتهم لطلب الدعاء بالشفاء  أمرا مرغوبا فيه وخصوصا وأن لدى الإنسان المسلم على العموم اعتقاد في أن الله هو الشافي من كل الأمراض. انتقل هذا الاعتقاد إلى الأولياء، وخصوصا بعد مماتهم، إما بصفتهم وسطاء أو بصفتهم قوة حية وحاضرة قادرة على التأتي. ويكون الالتجاء الى الأولياء إما بعد فشل الطب الشعبي أو العلمي في الإشفاء وتفشي اليأس في المريض أو مباشرة بعد الإصابة بالمرض.

أغلب الأولياء في آزمور لهم وظائف طبية، وهي وظائف أسندت لهم في أغلبها من طرف الخيال الشعبي الذي يتغدى على الحكايات التي يرويها الناس عن تجاربهم المرضية وشفائهم الذي يجعلون الفضل فيه لولي. هذا الفضل قد يكون صحيحا إذا أخذنا بعين الإعتبار التأثير النفسي لزيارة الأولياء في من يؤمن بقدرتها على الشفاء خصوصا إذا كان المرض بسيطا ومرتبطا بنفسية المريض، وقد يكون وهما سرعان ما يزول ليستمر مسلسل الزيارات لفترات طويلة.

تجد في أزمور تخصصات طبية تتعلق في معظمها بالأمراض والمشاكل الطبية التي كان يعاني منها الإنسان الأزموري كالأمراض الجلدية وأمراض الأسنان والروماتيزم والعقم وهي أمراض ومشاكل طبية لها أعراض خارجية ظاهرة سهلة التشخيص في حين نلاحظ غياب الأمراض الباطنية التي لا تتوفر على أعراض واضحة وذلك لغياب التشخيص العلمي وسيادة تفسيرات ذاتية غير دقيقة تسمي المرض باسم المكان الذي يظهر فيه الألم كمرض الركب والظهر.

 

ب-التراتبية في البنية الإجتماعية والتوظيف السياسي للظاهرة:

إن المجتمع التقليدي في المغرب عرف تطور مؤسسات اجتماعية وسياسية لها علاقة مباشرة بظاهرة الأولياء. فتنظيم المجتمع التقليدي تم أساسا على منطق العرف والدين، حيث يتم التمييز بين الناس إما بالرجوع الى نسبهم، أوثرائهم أو علمهم بالدين و سيرتهم الجهادية. تمثل هذه القيم المرجعية أسسا لبناء مؤسسات هذا المجتمع  يتجمع حولها الناس وتستغل سياسيا، ومن بين هذه المؤسسات التي تهمنا نذكر مؤسسة المرابطين والشرفاء.

يكن الناس وخصوصا العامة كثيرا من التقدير والاحترام للشرفاء والمرابطين ويعظمونهم ويخدمونهم، ويحرص الفقهاء على أن يبقى هذا التعظيم والاحترام مستمرين. ومن بين هؤلاء الشرفاء نذكر أولاد سيدي حمو بوخنيفة على الضفة اليمنى لنهر أم الربيع، ونذكر من المرابطين أولاد سيدي فارس وهم حفدة أبا شعيب السارية. وقد استفادت هذه المؤسسة من خدمة الناس لهم ومن محاباة السلطة لهم بإعفائهم من الضرائب. لكن ارتفاع نسبة  التعليم والتحديث المستمر للمؤسسات غير القيم المرجعية للتمييز والتفاضل بين الناس وأصبح الناس يتجمعون حول الأحزاب والجمعيات. لكن هذا لم يمنع استمرار تأثير تلك القيم في الذاكرة الشعبية وفي ممارسات الناس العادية، حيث لازلنا نجد الناس يتفاخرون بانتمائهم لولي من الأولياء ويستفيدون من بعض الاحترام، كما تشجع السلطة السياسية المواسم والاحتفالات التي تقام ببعض الأولياء، ولا تمانع في تأسيس جمعيات على أساس الشرف والنسب.

رغم تقلص دور هذه المؤسسة واختزاله في التسيير المالي للضريح، فإن الأضرحة مازالت تعتبر فضاء للسياحة  ولالتقاء شرائح اجتماعية معينة كالنساء بللا عائشة البحرية  أو بمولاي بشعيب. كما أن الارتباط النفسي  لجماعة مجتمعية بولي من الأولياء فقد تلك القوة التي كانت له في الماضي وأصبح الناس يستمدون الدعم النفسي والاجتماعي والسياسي من أشخاص أحياء كالبرلمانيين والوزراء الذين ينتمون بالولادة والنسب لتلك الجماعة.

 

ج-الحالة القانونية والقهر الاجتماعي:

   نريد أن نشير هنا إلى مظهر آخر من البنية الإجتماعية له علاقة بالظاهرة وهو طبيعة المجتمع التقليدي الذكوري وسيطرة قيم تعطي السلطة للرجل وتجعل من المرأة عنصرا ضعيفا خاضعا. فالمرأة استبطنت عبر مرور الوقت هذا الضعف المفروض عليها وأصبحت تتصرف وفق ما تسمح به الظروف والواقع. ففي غياب مؤسسات اجتماعية وقانونية تحمي المرأة من قهر الرجل وتعسفه تلجأ المرأة إلى وسائل أخرى كالدعاء على الرجل في الأضرحة أو شكايته إلى الولي باعتباره حضورا حيا وفاعلا أو تلجأ في حالات قصوى إلى السحر.

توجد بمدينة أزمور ثلاثة أضرحة،  ضريح مولاي بوشعيب وضريح للا عائشة وللا يطو ترتادها النساء بصفة جد ملحوظة. فمولاي بوشعيب هو قبلة  كل امرأة عاقر غالبا  مهددة بالطلاق لأن المجتمع الذكوري يحب المرأة الولود ويكره المرأة العاقر ويحملها مسؤولية عدم الإنجاب. أما للا عائشة البحرية فتقصدها كل امرأة تأخر زواجها ونادرا ما تكون المرأة مرفقة برجل من العائلة لأن الزيارة تتم بتخطيط من امرأة سواء الأم أو الجدة أو الفتاة نفسها دون علم الأب أو قد يكون على علم بالأمر ويظطر للقبول لإعتقاده أن ذلك في مصلحة البنت. أما للا يطو فتعتبر فضاءا شيطانيا من طرف الرجال وملاذا لليائسات من النساء. تذهب النساء  الى هذا الضريح الذي هو عبارة عن ثلاثة   قبور يحيط   بهم حائط بدون سقف وتوجد بجواره حفرة كبيرة بها حفرة صغيرة بأحد زواياها تمارس بها النساء طقوسا سحرية  بهدف السيطرة على الرجل والاحتفاظ به الى الأبد إما خوفا من الطلاق  وإما  بدافع الانتقام.

وقد كونت النساء خطابا مصاحبا لهذه الممارسات يجعل من العقم مشكلة غيبية وليست فيسيولوجية، ويفسر سبب تأخر زواج الفتاة ب”لعكس” بدل إرجاعه الى أسباب موضوعية، كما يبرر هذا الخطاب قيام المرأة  بأعمال السحر إما بوجود امرأة أخرى في حياة الرجل تقوم بأفعال سحرية للسيطرة عليه. ويبقى السحر في هذه الحالة دفاعا عن النفس بنفس السلاح، وإما يكون رد فعل يائس أو ماكر ضد سيطرة الرجل وطغيانه.

نلاحظ أن المرأة الأمية و حتى المتعلمة التي تلجأ الى هذه الأضرحة للأسباب السابق ذكرها تفهم العالم كفضاء تحكمه قوى ما فوق طبيعية كالعين والجن والسحر، وتبقى فيه الأسباب الحقيقية لظاهرة ما مغيبة وغير معترف بها، وهو فهم له خلفية نفسية قوية تتحكم في تأويل المرأة للظواهر الطبيعية والإجتماعية، والدليل على ذلك هو لجوء المرأة المتعلمة الى هذه التفسيرات والتأويلات المافوق طبيعية. ففي حالات اليأس تضعف الأنا المثقفة وتترك المجال حرا أمام التفسيرات اللاعقلية التي تكون غالبا كامنة في اللاوعي .

نلاحظ كذلك أن الأمر يتعلق باستغلال المرأة لفضاء اجتماعي تضعف فيه سلطة الرجل ويعم فيه التسامح والسلم الإجتماعي للبحت عن حلول غيبية لمشاكل اجتماعية وطبيعية. ففضاء الضريح يشكل قطيعة نسبية مع الثقافة الرسمية “الدينية” الذكورية ويفسح المجال لثقافة مهمشة للتعبير عن نفسها، همومها ومكبوتاتها، فتتحرر المرأة نسبيا من سلطة الرجل المباشرة. .إن لجوء المرأة الى الممارسات التي يسميها المجتمع الذكوري شعودة هو نتيجة طبيعية لغياب فضاءات اجتماعية ومؤسسية تمارس فيه المرأة حضورها وتعالج فيه مشاكلها في إطار فهم موضوعي وواقعي. فكلما  كان القانون ينصف المرأة ويعطيها حقوقها في العمل والتشريع الإجتماعي والمشاركة السياسية، كلما كانت المرأة أقرب إلى الواقع والتحكم فيه لأن التحكم في الواقع يدفع الإنسان إلى الإيمان به كقوة تفسيرية والتخلي عن التفسيرات الغيبية لأنها ستصبح غير ضرورية لأنها عوضت بأسباب حقيقية.

    إن القهر الإجتماعي يشمل حتى الرجل، فعندما يتعذرعليه الحصول على العمل وتطول المدة يبدأ في التخلي عن تفسير وضعه بأسباب موضوعية ويلجأ إلى تفسيرات غيبية، وهو ما يدفع الكثير من الرجال للذهاب الى للا عائشة للتخلص من “لعكس” الذي يلاحقهم ويمنع عنهم العمل. إذن فاللجوء إلى الأضرحة  يتم بعد أن يفشل الشخص في تفسير الوضع الذي يعيشه تفسيرا واقعيا أو في حالة عدم قبوله لوضعه رغم واقعية التفسير الذي توصل إليه. .إنه هروب من واقع لا يستطيع الإنسان تغييره بطرق واقعية فيلجأ إلى تغييره بطرق غير واقعية. من يدري فلو كانت للمرأة نفس السلط التي يتوفر عليها الرجل لكانت للا عائشة وللايطو ومولاي بوشعيب مملوءة  بالرجال عوض النساء.

 نطرح  العلاقة بين الوظائف والبنيات الإجتماعية كمدخل أساسي لدراسة الظاهرة لأن الوظائف تتغير بتغير البنيات.  فمع  انتشار مظاهر الحداثة تبدأ هاته الوظائف إما في التغير كما لاحظنا بالنسبة للوظيفة السياسية أو بالتراجع والإنقراض كما حدث ويحدث لجل الوظائف الطبية خصوصا بعد وعي الناس بضرورة التشخيص الصحيح واستعمال الأدوية الطبية، ونفس الشيء حدث لوظائف أخرى كالقسم في الأضرحة لفض النزاعات القانونية  كما جرت العادة به في سيد المكي الشرقاوي بالمدينة القديمة بازمور،  أو الإنتقام والعقاب عن طريق الأضرحة كما كان يحدث بسيد الشتات أو الشرشام الموجود بالمقبرة حيث يقوم الإنسان الراغب في الإنتقام بالحصول على حفنة من التراب من محيط الضريح ورميها على منزل الإنسان المراد عقابه .

إن انتشار مظاهر الحداثة والعقلانية المتزايد  حد بل وقضى على الكثير من الوظائف ولم تبقى إلا الوظائف التي مازالت تتوفر على دعم اجتماعي من طرف فئات اجتماعية مازالت تؤمن بفعالية دور تلك الأضرحة كالنساء العاقرات أو الراغبات في الزواج أو في المحافظة على الأزواج أو النساء و الرجال الذين مازالوا يعتقدون في وجود “لعكس “- الذي هو تعبير خجول وبديل لكلمة السحر- كقوة غيبية  تقف  ضد تحقيق أهداف معينة كالزواج والعمل و نجاح التجارة وغيرها.

 

 

 

يتبع

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!