ظاهرة الاولياء بمدينة آزمور3/5: رمزية الطقوس و علاقتها بالإحيائية و عبادة الطبيعة

2013-10-10T22:42:34+01:00
ثرات أزمورثقافة و فنون
10 أكتوبر 2013آخر تحديث : الخميس 10 أكتوبر 2013 - 10:42 مساءً
ظاهرة الاولياء بمدينة آزمور3/5: رمزية الطقوس و علاقتها بالإحيائية و عبادة الطبيعة

 

 

3-رمزية الطقوس وعلاقتها بالإحيائية وعبادة الطبيعة

إن للطقوس التي تمارس داخل وفي محيط الأضرحة دلالة رمزية سيميولوجية بالنسبة لدارس الظاهرة لكنها بالنسبة للممارس ذات دلالة واقعية وتنتج عنها آثار واقعية، لأن الممارس يعتقد في وجود قوة غيبية  حاضرة وفاعلة في عناصر الطبيعة وخصوصا تلك المتواجدة في محيط وداخل الضريح لأنه يعتقد أن  الولي المدفون في ذلك الضريح مازال حيا وحاضرا كقوة مؤثرة في حياة الناس، هذه القوة التي يسميها الناس البركة  ويغلفونها بغلاف ديني هي امتداد وتجسيد للإحيائية التي اعتقد فيها الإنسان منذ فجر التاريخ.

الإحيائية هي الاعتقاد في وجود أرواح في عناصر الطبيعة وهي بحث عن شيء مقدس في  العالم المادي، عن مرجع وملاذ يلجأ إليه الناس وقت الأزمات والضعف والقهر، وتختلف أشكالها باختلاف مستويات التجريد والتمثل لدى الناس.   فقد تمثلت المظاهر الأولى للإحيائية في عبادة الأشجار والنار والكواكب ومنابع المياه والجبال و الأحجار وغيرها وقد حاربت الديانات التوحيدية هذه المظاهر الإحيائية لكنها لم تستطع القضاء عليها بصفة نهائية فبقيت لها امتدادات في الثقافة الشعبية حيث يغلب الخيال والمعقدات اللاعقلانية.

يمكن ملاحظة مظاهر الإحيائية في كل الطقوس التي يمارسها الزائر للأضرحة في مدينة آزمور،  وتختلف الطقوس باختلاف هدف الزيارة. فالمرأة الزائرة لللاعائشة البحرية التي تريد أن تتخلص من “لعكس ” الذي يمنعها من الزواج تغتسل بماء البئر الموجود بجانب الضريح لاعتقادها في أن الماء فيه بركة أو قوة روحية تخلص المغتسل به من الموانع التي تقف أمام الزواج. كما يطلب منها التخلص من بعض الثياب الداخلية مع المشط الذي استعملته أثناء الغسل ورميها  أو تعليقها على النخلة الموجودة بجانب البئر. إن هذا الطقس الأخير هو تجسيد مادي لعملية خروج “لعكس” من الشخص المغتسل, وتبقى الأشياء المتخلص منها أو ما يسميه العامة ب”التابعة” أو ex –voto     بالفرنسية شاهدا على ذلك. ونجد نفس العملية –أي التخلص من التابعة-  تتم بطريقة مختلفة شيئا ما بضريح سيدي وعدود حيث يقوم الزائر الذي يريد التخلص من “لعكس” برمي أحد ملابسه الداخلية أو بحزم عقدة في أحد اشجار “الرتم” الموجودة  في محيط الضريح.

إن الاستعانة بالأشجار والماء للتخلص من هذه القوة الشريرة التى تسمى “لعكس” يترجم بطريقة واقعية  ذلك الاعتقاد في انتشار تلك القوة الروحية للولي  في محيط وحرم الضريح وحلول تلك القوة في العناصر الطبيعية الموجودة فيه سواء كان حجرا أو شجرا أو ماء أو ترابا أو أكلا كالتمر وغيره أو حناء وعموما تعم البركة مجموع الحرم، بحيث تنتقل القداسة إلى كل شيء يتواجد في محيط الضريح.

من بين الطقوس التي تثير الانتباه كذلك تقديم الهدية للولي في إطار علاقة تعاقدية  يتوجها وعد بهدية أكبر في حالة تحقق المراد من الزيارة. فالزائر العادي لمولاي بوشعيب مثلا يشتري عادة الشمع ويقدمه للمحافظ على الضريح أو يرمي بعض النقود في الصندوق المخصص لذلك، أو يقدم ذبيحة، عادة ديك،  تذبح في المذبح بجانب الضريح أو تسلم حية للمحافظ. تقديم هدية مادية للولي تقوم على افتراض قوي بأن الولي لازال حيا يقدم خدماته حسب الهدية التي تقدم له. فالشمع ينير المكان ويطرد الظلمة والوحشة عنه وعن الولي الذي يسكن به، كما أن تقديم الذبيحة يعتبر تقربا إلى الولي واستجلابا لرضاه للاستفادة من خدماته. وكلما كان الطلب كبيرا كانت الهدية أكبر.                                                     

عادة ما تنتهي زيارة بعض الأضرحة بشراء شيء ما من محيط الضريح كالتمر والحناء او بحمل  بعض الماء أو التراب   كدليل مادي على الزيارة وك”باروك” يحمله الزائر لأهله أو من يريد الزيارة بالنيابة.

هناك طقوس أخرى تقوم بها الزائرة للاعائشة  الراغبة في الزواج كطلاء يديها بالحنة في استباق واضح لتحقق الزواج الفعلي أو كتعبير عن الفأل الحسن أو في أسوأ الأحوال كتعبير عن تفكير بالتمني،  كما يرافق هذه الطقس كتابة اسماء على حائط الضريح بالحناء، تحيل عادة على إسم المرأة مع أو بدون إسم العريس الهدف،  على أمل أن تبارك الروح التي تسكن المكان هذا الارتباط الرمزي للأسماء على الحائط وتحوله الى حقيقة واقعة. تقوم النساء بنفس الطقس بللايطو  حيث  تقوم بكتابة أسماء بالحناء لكن بطريقة مختلفة شيئا ما فيكتب اسم المرأة أو الرجل الهدف متبوعا باسم الأم فنقرأ مثلا:”خالد ولد فاطنة ” أو”أمينة بنت مليكة” وهذا له علاقة بمعتقدات تتعلق بالسحر. فالشخص والإسم يمثلان شخصا واحدا، ما يقع على الإسم أو الصورة يمكن تحقيقه على الشخص ذاته سواء كان الشيء ايجابيا أو سلبيا، وهذا ما يؤكده أورنست كريس- 1952 KRIS,-  في دراسته للأصول الأنتروبولوجية للكاريكاتير،  فيؤكد على العلاقة بين الفعل الممارس على الصورة والفعل المراد تحقيقه على الشخص ذاته في الممارسات الأولى للسحر عند الشعوب البدائية والتي مازالت الشعوب المتحضرة في القرن الواحد والعشرين تقوم بها كحرق مجسمات الأعداء أو رايات البلدان المعادية.

   بالإضافة الى الماء والأشجار كمظاهر للإحيائية المرتبطة بالأولياء نورد مثالا آخر يوظف فيه عنصر طبيعي آخر وهو النار وخصوصا في الممارسات المرتبطة بالسحر. فالنار مرتبطة معرفيا ودينيا بالجن والشياطين وقوى الشر وهي تستعمل إما لشر أو دفع الشر والقضاء عليه. في للا يطو تستعمل النساء النار ل”طبخ ” توب خاص بالزوج في قدر أسود على “كانون” يتكون من أحجار، ويطبخ التوب ب “الماء القاطع” أوجافيل “أتشي” كناية عن ” طبخ” قلب الرجل واستمالته للمرأة.

تتوفر هذه الطقوس على دلالات رمزية واضحة، قد لا تعترف النساء الممارسات برمزيتها وتتمسك بتأثيراتها ومعانيها الواقعية، لكن على ما يبدو أن الخط الفاصل بين الرمز والواقع قد اختفى مع مرور الزمن وأعتبر هذا الخلط نتيجة لتأثير المعتقدات الإحيائية. فإسقاط القداسة على أشياء طبيعية عادية جعل منها أشياء مقدسة ومن قداستها الرمزية شيئا واقعا مؤثرا.

من الأمثلة الأخرى المعبرة عن هذا الخلط بين الرمز والواقع طقس يمارس خارج المدينة  بمكان يوجد على بعد 4 كيلومترات جنوب شاطئ الحوزية يسمى حجرة بيبور. يزور المكان رجال ونساء على السواء بهدف إبطال مفعول السحر حيث تستعمل النار والبخور وأمواج البحرلتحقيق ذلك، مع العلم انه لا يوجد أي ضريح بالمكان ولا أي حجر محدد يمارس في محيطه هذا الطقس، فليس هناك سوى صخور البحر التي تغير مكانها من وقت لآخر بفعل المد والجزر. في هذا المكان الاتصال بالطبيعة يتم بطريقة مباشرة وبدون وسطاء.

  نلاحظ أن الطقوس مرتبطة بالضرورة بأحد عناصر الطبيعة : ماء البئر، تراب، شجر، أمواج البحر، نار وغيرها. كما نلاحظ أن هناك اعتقاد جازم في واقعية الطقوس وآثارها الفعلية ولا يمكن تمثل رمزيتها إلا كأثر جانبي لقراءة من الدرجة الثانية. هذا الارتباط بين هاته الطقوس والطبيعة يدل على أن الإحيائية كنموذج لفكر أسطوري وبدائي مازالت تحتفظ ببعض المواقع في اللاوعي الجمعي وتخترق بعض ممارساتنا التعبدية والحياتية وإن أخدت أشكالا ومفاهيم “دينية”.

يتبع

 

 

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!