التربية على المواطنة وإعادة إنتاج التراتبية الاجتماعية

2013-11-06T09:39:37+00:00
تربية و تعليم
5 نوفمبر 2013آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 9:39 صباحًا
التربية على المواطنة وإعادة إنتاج التراتبية الاجتماعية

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على إشكالية أساسية تتمثل في الدور المزدوج و المتناقض الذي تلعبه المدرسة و الجامعة المغربية في التربية على المواطنة وقيم الحداثة و الديمقراطية من جهة، و إعادة إنتاج التراتبية الاجتماعية السائدة من جهة أخرى. تعكس هذه الإشكالية العلاقة المتوترة أصلا بين الخطاب و الممارسة في الثقافة المغربية، بين ما هو معلن ومصرح به كسياسة تربوية و بين ما هو ممارس على أرض الواقع.

منذ تسعينات القرن الماضي ظهر اهتمام كبير بالتربية على المواطنة و خصوصا بعد سقوط حائط برلين و ازدياد عدد الديمقراطيات في العالم. شجعت التعددية داخل بعض الدول على تطوير برامج التربية على المواطنة التي تتجاوز النموذج المبسط للوطنية كمرادف للمواطنة، حيث يفرض الولاء للدولة بطريقة عمياء و ينعدم النقد. إعادة تشكيل مفهوم المواطنة اعتمادا على الحقوق و الواجبات جعل من المواطنة أساسا ديمقراطيا لبناء دولة حداثية  حيث تصبح المعادلة بين الحق والواجب ركيزة أساسية لكل حوار اجتماعي.

لكن خطاب المواطنة الذي تبنته الدولة المغربية منذ فترة يضعنا أمام تناقضات تدفعنا إلى طرح أسئلة حول واقعية هذا الخطاب و حول قدرة المدرسة المغربية  على لعب دور التربية على المواطنة و تكوين جيل يعرف حقوقه و يلتزم بواجباته.

هل المؤسسة التربوية المغربية مؤهلة لتطبيق هذا التوجه الحداثي المستقبلي وإحداث تغيير جوهري على مستوى القيم و الممارسة  أم أن دورها كداعم للنظام الاجتماعي و السياسي القائم و الذي لا يرقى إلى مستوى الخطاب الحداثي المعلن هو المهيمن و الموجه للسياسات التربوية؟

إن أي تغيير للمنظومة الاجتماعية و التربوية يجب أن يحدث أولا على مستوى الخطاب، وهذا ما حدث فعلا بغض النظر عن النوايا، و ثانيا على مستوى المؤسسات و الفاعلين الاجتماعيين و التربويين. هذه الفرضية تضعنا أمام إشكالية ثقافية و  تاريخية و المتمثلة في كون المدرسة المغربية غير مؤهلة من حيث المؤسسات و الفاعلين لترهين خطاب المواطنة و ترسيخ قيم الحداثة التي يحملها. مازال الأستاذ هو مصدر المعرفة و التلميذ متلقي سلبي، ومازال الامتحان مبني على أساس معلوماتي كمي. إذا كانت هذه الوضعية تدعم شيئا ما فإنها في حقيقة الأمر تعيد إنتاج علاقات سلطوية مهيمنة اجتماعيا و سياسيا : علاقة الأب بالابن/ علاقة الحاكم بالمحكوم/ الاستاذ كمصدر للمعرفة و التلميذ و الطالب كمستهلك لتلك المعرفة .

من نتائج هذه العلاقة السلطوية انعدام المبادرة و الحس النقدي لدى التلميذ و الطالب و المواطن وتكريس مفهوم الطاعة و التقليد كمرادف للمواطنة. الدليل على ذلك هو عدم قدرة المدرسة على إشراك التلميذ و الطالب و الأستاذ على السواء في التسيير الفعلي للمؤسسة التربوية. فالبرامج تفرض من فوق و لا مجال للاختيار و مجالس المؤسسة تبقى استشارية و القرارات فوقية تنزل تدريجيا عبر سلم إداري للإعلام والتنفيذ. يمكن للقارئ أن يضيف ما شاء من الأمثلة التي تبين مفارقة الخطاب و الممارسة و الفرق التاريخي و الثقافي بين السياسة المعلنة و الواقع.

يدفعنا هذا الوضع إلى التساؤل عن حقيقة هذا الخطاب  و دوافعه. هل هو اختيار استراتيجي أم موضة سياسية؟ هل يهدف هذا الخطاب إلى مساءلة القيم الفاعلة في الواقع و إعادة تقييمها و ذلك بتهييء الشباب لانتقادها أم يدعم القيم المتواجدة في الواقع و يكرس علاقات السلطة المهيمنة؟

مع استبعادنا لتفسير هذا الوضع بنظرية المؤامرة فإننا نرى في الوضع الراهن تفسيرا و تطبيقا لنظرية الفضاء الاجتماعي لبورديو، فالمدرسة المغربية تعيد بالفعل إنتاج النظام الاجتماعي بكل تناقضاته  و تراتبيته. فمثلا نعتبر إصرار السلطة السياسية على إعطاء الفرنسية معاملا كبيرا في الامتحان الجهوي للبكالوريا بالمقارنة مع المواد الأخرى و عدم توفر أغلبية الطلبة على كفاءة لغوية لدراسة المواد العلمية بالجامعة وإعطاء حظوظ أكثر لأبناء النخبة لولوج المدارس العليا للهندسة و التسيير و الطب تعبيرا عن رغبة سياسية لتكريس هيمنة طبقة معينة. نتيجة لذلك يصبح الفشل المدرسي الناتج عن هذا الوضع فشلا اجتماعيا لطبقة معينة غير قادرة على دعم أبنائها بدروس خصوصية أو تعليم أبنائها في مدارس خصوصية. وتبعا لذلك فإن المدرسة المغربية مازالت لم ترق إلى مستوى الخطاب الديمقراطي و الحداثي الذي تدعمه ظاهريا الطبقة المهيمنة و بالتالي فإنها تمارس عنفا رمزيا يساهم في إعطاء الشرعية لعلاقة القوة المسببة للتراتبية الاجتماعية الغير العادلة. هذه السلطة الرمزية التي تفعلها المدرسة و تدعمها تحاول إخفاء الأصل الاجتماعي للفشل المدرسي و للتراتبية داخل الحقل التربوي وتجعل من النجاح نتيجة للمميزات الشخصية، لكن في واقع الأمر يبقى الجزء الكبير من عوامل النجاح المدرسي اجتماعيا ذا أبعاد إيديولوجية.

كخلاصة لهذا المقال أريد التأكيد على أنه لا يمكن الفصل بين وضعية الفعل التربوي و الفعل السياسي و أن المفارقة التي نعيشها على مستوى علاقة الخطاب بالممارسة في الحقل التربوي هي إعادة إنتاج لنفس المفارقة في مجالات اجتماعية موازية.

د. محمد مفضل

نشر هذا لمقال بجريدة الاخبار يوم الثلاثاء 5 نونبر 2013

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!