فضاءات الحمامات الذاكرة، التاريخ، الوظيفة.

2015-10-04T11:41:21+01:00
اقلام حرة
4 أكتوبر 2015آخر تحديث : الأحد 4 أكتوبر 2015 - 11:41 صباحًا
فضاءات الحمامات الذاكرة، التاريخ، الوظيفة.

عبد الفتاح الفاقيد

أخبار أزمور الجهوية بقلم د :عبد الفتاح الفاقيد

تحتفل الذاكرة المغربية، ومعها العربية عامة، بالحمامات، باعتبارها فضاءات حميمة ذات علاقة مباشرة بالجسد والمتعة البدنية والراحة النفسية التي يستشعرها الإنسان جراء تعرضه للدفء والارتخاء.

وتؤكد الأنتربولوجيا على امتداد  تاريخ ثقافة الحمام ليصل إلى الحضارات الرومانية والبيزنطية، مع وجود  تقاطعات بين مختلف الحضارات على مستوى البنيات المعمارية والهندسية، أو على مستوى الوظائف التي يؤديها الحمام.

ويرتبط فضاء الحمام، خاصة في المغرب، بالعديد من المدن العتيقة منها: فاس؛ ومكناس؛ ومراكش؛ والجديدة؛ وآزمور التي مازالت حماماتها القديمة بوسائلها العتيقة تقاوم الانقراض وتصمد أمام منافسة الحمامات الحديثة. أما البوادي والقرى المغربية فهي تضم ما يسمى “المتروسة”، وهي عبارة عن بناء هرمي أساساته من الأعواد التي تغطى بالبلاستيك، وتتخذ “المتروسة” كحمام تقليدي للاستحمام.

الجدير بالذكر، أن التوزيع الجغرافي للحمامات يخضع، في الكثير من الأحيان، لمقاصد دينية، حيث تكون الحمامات متاخمة للمساجد والأضرحة والمزارات، نظرا لارتباطه الوثيق بطقوس الطهارة والاغتسال والنظافة البدنية، وإن كان تشييد الحمامات اليوم يخضع لخريطة التوزيع السكاني.

لتسليط الضوء حول فضاء الحمام، ولتحديد أبعاده الوظيفية والرمزية، داخل مدينة آزمور، ارتأينا اختيار المحاور التالية:

1 ـ معمارية الحمام التقليدي:

تخضع هندسة الحمامات التقليدية لبنية معمارية موحدة، إذ يتكون الحمام من حجرات واسعة ذات أسقف نصف دائرية، تأخذ شكل قبة، وتستمد شكلها الهندسي من “الهلال” ومن حدوة الفرس، وهي عناصر مقدسة داخل الثقافة العربية الإسلامية، لذلك كانت شبيهة بأسقف الأضرحة والمزارات.  ليس من قبيل الاعتباط أن تأخذ هندسة الحمام هذا الشكل، بل لغايات منها عدم سقوط قطرات الماء، المتحول عن البخار المصطدم بالأسقف الباردة. و تتوزع على امتداد الأسقف مجموعة من الفتحات التي تسمح بتسرب الضوء والهواء. و تشتمل الحجرة الداخلية للحمام على صهريج ينقسم إلى جهة خاصة بالماء الحار، وأخرى للماء البارد. أما الحجرة الأولى من الحمام فتكون مخصصة لتغيير الملابس، يسيرها ” الجلاس”، والمكلف  باستخلاص الثمن وحراسة الملابس. وتتكون “الجلسة” من بساط تقليدي(الحصير)، أو دكاكين خشبية.

غالبا ما كان يتم تشييد الحمامات من الحجارة والتراب(التابية)، حيث تكون الحيطان سميكة، وتتم تغطية الأرضية بالملح، الذي يحافظ على الدفء، ثم يأتي الزليج، وقد كان يستعمل الزليج العراقي بألوانه الفسيفسائية، وأشكاله المختلفة. أما الأبواب فقد كانت مصنوعة من الخشب الرفيع الذي يصمد في وجه الحرارة والماء. أما الحجرة الخلفية من الحمام فتسمى ببيت النار(الفرناطشي) حيث يوجد صهريج تسخين الماء بواسطة القطع الخشبية، حيث يسهر المكلف ببيت النار على تزويد المستحمين بالحرارة اللازمة والماء الحار الكافي،  وفي الفرناطشي مآرب أخرى نذكرها لاحقا.

2 ـ  وظائف وأبعاد الحمام:

يشكل فضاء الحمام فضاء مغلقا تتحرر فيه الذات من سلطة العالم الخارجي، لتصبح خاضعة لمتطلبات الجسد، إنه تجسيد للحظة المصالحة مع الطبيعة الإنسانية، حيث يكون العري (رغم ارتداء التبان) مباحا بين مجموع المستحمين الذين يمارسون طقوس الاستحمام تبعا لمقاصدهم:

  • فالحمام قبلة لإزالة الأدران العالقة بالجسد، وللبحث عن الدفء والارتخاءخاصة بعد القيام بأعمال شاقة ومرهقة (تمسيد الجسد).
  • يقصد الحمام للطهارة والاغتسال، خاصة يوم الخميس، أو الجمعة صباحا، لاستقبال صلاة الجمعة.
  • يكون استحمام النفساء بعد إتمام أربعين يوما بعد الولادة، حيث يكون القصد تطهيرها من دم الحيض والنفاس، وتسخين جسدها وطرد آلام الطلق والمخاض   (تسمى بعملية تكميد عظام النفساء)، حيث يتم كراء الحمام لهذا الغرض وإضاءة جوانبه بالشموع، وخلط الماء بالريحان والطيب وتخضيب الأيادي بالحناء، ويصاحب طقوس الاستحمام مجموعة من الأغاني الشعبية، وتوزيع الهدايا والهبات على خادمات الحمام،  حيث تنتهي الطقوس بوضع النفساء الحزام من جديد دلالة على استعدادها لإكمال وظيفتها الطبيعية بشكل عادي.
  •  كانت الأسر الآزمورية  تمنع خروج فتياتها إلى الشارع أو الاختلاط بالغرباء، كما يمنعن من وضع مساحيق التجميل،  وبعد الخطبة تدشن مراسيم الزواج بمجموعة من الاستعدادات منها الاستحمام، حيث يتم تخضيب رأسها “بالنفقة” (الورد، الريحان القرنفل، الزعفران، ماء الزهر)، كما يتم تخضيب جسدها بالحناء والشبة، وتضاء جوانب الحمام بالشموع، وتوزع الهبات على خادمات الحمام، وتتولى ” الماشطة” مراسيم تزيين العروس(أمي بحرية كانت أشهر الماشطات بمدينة آزمور)، وغالبا ما كانت الحمامات التقليدية بالمدينة تتوفر على حجرة خاصة بهذه المناسبات (مخدع العروس).

ختاما لمراسيم الزواج وقبيل توجه العروس إلى الحمام في اليوم السابع بعد الدخلة، كانت العادة أن يمسك الزوج والزوجة بأطراف سمكة الشابل وجرها حتى تقتسم بينهما، دلالة على رغبتهما في اقتسام الأرزاق.

مباشرة بعدها تتوجه العروس إلى الحمام رفقة عائلة زوجها وعائلتها إلى الحمام،  حيث تتكرر نفس الطقوس السابقة وترتدي الحزام، دلالة على استعدادها لتشخيص وظائفها الجديدة.

  • بالنسبة لختان الأطفال، فقد كانت العادة أن يستحم الطفل مع والده، دلالة على نضجه وتحوله من عالم الطفولة والبراءة إلى عالم النضج والشباب، وبعد الاستحمام يرتدي اللباس الأبيض، وتقوم الأم بتخضيب اليدين والرجلين، ووضع خيط أخضر تعلق عليه “كموسة” بها القليل من الشبة والحرمل طردا للعين.
  • يرتبط فضاء الحمام بالعديد من الظواهر الاجتماعية، فهو  فضاء  للتواصل ونسج العلاقات، وتبادل الأسرار، والشكوى و النميمة و معرفة مستجدات الأخبار المتعلقة بالحي أو بأحوال المدينة، فهو متنفس ثمين،  خاصة وأن أغلب النساء الآزموريات كن لا يبرحن منازلهن، حيث يكون الرجل هو المسؤول عن العالم الخارجي.

وداخل فضاء الحمام تتاح فرص الزواج، من خلال إبراز ” العويتقات”  لمفاتنهن ومهاراتهن إرضاء لعيون المقتنصات والباحثات عن صبايا صالحات للزواج.

  • غالبا ما كان يقصد الحمام للعلاج من بعض الأمراض كالروماتيزم، وآلام المفاصل، وآلام الظهر(…). أو لعلاج التوعكات، أو لطرد التعب والإعياء.

نخصص حديثنا، حول متطلبات الحمام، التي استعملتها ساكنة المدينة قديما، وما زالت حاضرة في زمننا الراهن، وهي مستلزمات بسيطة وطبيعية، كانت ذات فعالية في تحقيق الهدف من استعمالها. نقصد بالدرجة الأولى الصابون البلدي لدعك الجسم؛ والغاسول للشعر؛ والمحكة (من الحجارة)، لإزالة الأوساخ، كما دأبت النساء على استعمال الحناء والشبة والعكر الفاسي لتبييض الجسم وتليينه.

كان المستحمون ينتعلون القبقاب( نعل يصنع من المطاط والخشب)، الذي يجنبهم الانزلاق أو السقوط جراء انتشار المواد اللزجة، ومن مستلزمات الحمام أيضا نجذ الدلاء المطاطية لملء الماء من الصهريج  ( قديما كان يستعمل الدلو المصنوع من الكواتشو).

لقد كان الحمام، ولا يزال، متعدد الوظائف والخدمات، يقصده الناس لنفس الغايات السابقة، وما زالت  بعض الأسر الأزمورية تمارس نفس الطقوس بمناسبات الزواج والولادة وفي غيرهما من المناسبات.

يعتبر ” الكسال” جزء من بنية الحمام، فهو يعيش على خدمة الزبناء، من الفئات المتوسطة والميسورة، حيث تتحدد وظيفته في إزالة الأوساخ وفي  تدليك الأجساد (التكسال والتمسيد)، وفي حمل الماء، وهناك من الزبائن من يفضل خدمة الكسال منذ ولوج باب الحمام إلى لحظة خروجه منه. ويكتفي بعضهم الآخر بإزالة الأوساخ فقط (الحكان). وخدمة الكسال تختلف باختلاف الزبائن وانتماءاتهم الطبقية والمهنية.

وفي حجرة “الفرناطشي” مآرب عديدة، فهي فرن لطبخ “الطنجية” ولحرق رؤوس الذبائح وقوائمها (الكرعين)، وهو مورد جمر التدفئة في فصل الشتاء وأيام الليالي الباردة.ويعتبر”مول الفرناطشي” العنصر الررئيس في عملية الاستحمام، باعتباره المسؤول عن توفير الماء الساخن والحرارة اللازمة للمستحمين، وغالبا ما يكون عرضة لغضبهم وسخطهم، ومن الأمثلة الرائجة حوله : ” مول الفرناطشي وجهو للنار وظهرو للمعيار”.

يبقى الحمام فضاء مقاوما لتحديات التحولات الحضارية والثقافية، خاصة بعد ظهور الحمامات الحديثة، والحمامات المنزلية، والحمامات البخارية (الصونا) المتعددة الخدمات. إلا أن الحمام التقليدي يبقى فضاء أثيرا للعديد من الفئات الاجتماعية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!