السياق التاريخي لنشأة الصحافة بالمغرب

2015-11-08T17:00:03+00:00
اقلام حرة
8 نوفمبر 2015آخر تحديث : الأحد 8 نوفمبر 2015 - 5:00 مساءً
السياق التاريخي لنشأة الصحافة بالمغرب

أخبار أزمور الجهوية :د / المصطفى الريس

الجزء الأول:

تجمع الدراسات والأبحاث التي تناولت تاريخ الصحافة ([1])،أن ظهور هذه الأخيرة جــاء

متأخرا في المغرب الأقصى قياسا بالدول الغربية أو بعض البلدان الإسلامية  كتركيا والشام ومصر، وذلك لأسباب يطول شرحها ([2]) . كما تؤكد هذه الدراسات أن نشأة الصحافة وتطورها عرف شكلا متميزا في مدينة طنجة لأسباب منها الأهمية الاستراتيجية التي يكتسيها موقع المدينة كبوابة شمالية مفتوحة على أوروبا ، حيث جعلت من طنجة العاصمة الدبلوماسية  للمغرب منـــــذ أواخر القرن الثامن عشر، ومنها المشروع الفرنسي الامبريالي الرامي إلى ضم المغرب إلى إمبراطورية فرنسا الاستعمارية بإفريقيا، خاصة بعد إن اتخذت فرنسا قرارا بإعلان الجزائر إقليما فرنسيا سنة 1848 واحتلالها لتونس سنة 1881وارتفاع حدة الأطماع الاسبانية بعد حرب تطوان ، ثم ضعف المخزن عن مسايرة الركب الحضاري وعدم قدرته على الحفاظ على السيادة الوطنية([3])   فضلا عن غياب نصوص تشريعية تنظم أسس مهنة الصحافة وضوابطها ([4]) .

والظاهر، أن الصحف([5]) التي ظهرت بطنجة أواخر القرن التاسع عشر كانت بمثابة مرآة للصراع الدولي حول المغرب ، وأداة فعالة سخرتها المفوضيات الأوروبية قصد الدعاية والترويجلأطروحاتها الامبريالية والدفاع عن مصالحها بالمغرب ، وكأسلوب جديد يسهل إنجاز المشروع الاستعماري في أحسن الظروف وبأدنى التكاليف المادية والبشرية([6])  .

بمجرد الإعلان عن توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 ، دخل المغرب في منعطف حاسم أصبح معه خاضعا لنمط سياسي جديد مزج بين مكونات النظام المخزني التقليدي ومؤسسات وأجهزة الحماية وإدارتها. وكان من الطبيعي أن يرافق هذا المنعطف ، تحولات عميقة لأوضاع البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وكان من الميادين الذي طالها التغيير ميدان الصحافة التي ” شهدت طفرة نوعية وعددية وأضحى المشهد الإعلامي المغربي بالمنطقة السلطانية يعج بعدد وفير من الجرائد المختلفة المشارب والأغراض ، واكبت عن كثب التطورات السريعة التي كانت البلاد مسرحا لها في ميادين شتى “.([7])سيما وأن فترة الحماية شهدت نزوح أعداد كبيرة من المعمرين القادمين إما من الميتربول أو من المستعمرات القريبة خاصة الجزائر وتونس وهم يحملون معهم عادات وممارسات دأبوا عليها في تلك البلدان ، ولعل من تلك العادات اليومية استهلاك الجرائد وتسخيرها لمآرب شتى.([8]) فضلا عن تدفق المؤسسات والمجموعات الرأسمالية الكبرى نحو المغرب بحثا عن هامش للربح السريع عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المربحة  ولعل أبرز هذه المجموعات” مجموعة ماص”Groupe Mas)) التي ظل حضورهافي مغربالحماية متميزا في قطاع الصحافة والطباعة والإشهار والتوزيع أكثر من حضورها في قطاعات المال والعقار والفلاحة والصناعة والتجارة.([9])

وقد ميز الباحث جامع بيضا في أطروحته La presse marocaine d’expression française des origines à 1956 بين أربع محطات في تاريخ تطور الصحافة الأجنبية بالمغرب في الفترة الممتدة مابين 1912-1956، حيت تميزت المحطة الأولى (1912-1925)([10]) بتضييق الخناق على الصحافة في عهد المقيم العام ليوطي من خلال إصدار القانون المنظم للصحافة في 27أبريل1914 ([11])للحد من نشاط أية دعاية جديدة قد تهدد الهيمنة الفرنسية على المغرب ،ومنع كل الصحف التي تتناول تطورات الأوضاع بالمغرب من منظور يناقض الرؤية الرسمية([12]). وتزامنت المحطة الثانية (1926-1939) ([13])وإرساء قواعد المجموعتين الصحفيتين الفرنسيتين: مجموعة ماص”Groupe Mas))([14])وشبكة Jean RenaudوFrancis Busset اللتين قامتا بإصدار أهم الجرائد اليومية انتشارا وإقبالا من لدن القراء. بينما عرفت المحطة الثالثة (1940-1945)[15] مرحلة جديدة في مسار الصحافة جراء تداعيات الحرب العالمية الثانية وانقسام الرأي العام الشعبي والرسمي بفرنسا إلى حزبين متصارعين ، حيت تم إقحام الصحافة في هذا الصراع كمحاولة من الحزبين إقصاء بعضهما الأخر ، وكانت منخصائص المحطة الرابعة(1946-1956)([16])ترسيخ الهيمنة الإعلامية لمجموعة ماص”Groupe Mas” من خلال سيطرتها على إحدى عشرة شركة للطبع والنشر والتوزيع…([17])

([1])أنظر على سبيل المثال لا الحصر:

  • Jeans LouisMiege, Journaux et journalistes à Tanger au 19siecle ,in Hésperis,1er/2éme trimestres Rabat,1954,p211 et suites .
  • Christiane Souriau-Hoebrechts,La presse maghrébine: Libye, Tunisie, Maroc, Algérie;Ed .C.N.R.S.Paris,1975, p 86.
  • Pierre Albert, La difficulté des études de la presse maghrébine, In presse écrite au Maghreb:réalités et perspectives ,Ed. Wolfgangs.Freund-Hamburg,Deutsches Orient- Institut,1989,p 47-54.
  • TayebBoutbouqualt , La politique d’information du protectorat français au Maroc 1912- 1956, les éditions maghrébines , Casablanca, 1996 .
  • JamaâBaida , La presse marocaine d’expression française des origines à 1956, publications de la faculté des lettres , Rabat , 1996.
  • Zouggari Ahmed, La presse écrite au Maroc sous le protectorat français (1912-1944), Revue Juridique, Politique et Economie du Maroc, Rabat,V 12, 2èmesemestre, 1982, p11-127.

([2])–  عن أسباب تأخر ظهور الصحافة بالمغرب أنظرTayebBoutbouqualt , La politique d’information du protectorat français au Maroc 1912- 1956, op cit, p13.

([3])– الطيببوتبقالت : الصحافة الأوروبية الصادرة في طنجة في أواخر القرن التاسع عشر أهميتها وتأثيرها ، ضمن كتابطنجة في التاريخ المعاصر 1800- 1956، طنجة، 1991، ص 198.

([4])– محمد الإدريسي العلمي : التشريع الاستعماري للإعلام في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب ، المجلة المغربية للقانونوالسياسة  العدد 12 ، 1982، ص 12-13.

([5])من بين الصحف الأجنبية التي صدرت بطنجة في أواخر القرن التاسع عشر إلى حدود توقيع معاهدة الحماية:

La Gazette de Tanger -Le Réveil  du Maroc -Le commerce au Maroc- Le Maroc commercial- Le Journal -Al Maghreb al Aks-The Times of Morocco-La  Dépêche  Marocaine-Le Courier  du Maroc –L’Indépendance Marocaine-France et Maroc-Le petit Marocain-El Africa Espanola- El porvenir-Deutsche Marokko Zeitung…، انظر في هذا الصدد:

*JamaâBaida, La presse: marocaine d’expression française des origines à 1956,op cit, p 67 .

* J-L. Miege , Journaux et journalismes à Tanger ,au19siecle , op cit,p191-228.

*الطيب بوتبقالت : الصحافة الأوروبية الصادرة في طنجة في أواخر القرن التاسع عشر أهميتها وتأثيرها ، مرجع سابق المعاصر 1800، ص 198.

* جامع بيضا: صحافة طنجة : مرآة للصراع الدولي حول المغرب)1900ـ 1912 ) ، ضمن كتاب طنجة في التاريخ المعاصر 1800ـ 1956، طنجة ، 1991، ص 206 ـ 211.

([6])– يشير جامع بيضا في هذا الإطار أنه في :” سنة 1900كلف إدمون دوتي) من قبل  الحاكم الفرنسي للجزائر بالقيام بمهمة للمغرب الأقصى ، تتلخص في الوقوف على حقيقة نفوذ فرنسا بهذا القطر ووضع مخطط للوسائل الكفيلة بتعزيزه. [و] قام ” دوتي” بالمهة المطلوبة منه وسجل مشاهداته وخواطره في كتاب صدر سنة 1900بباريس تحت عنوان :”بعض الوسائل الكفيلة تعزيز النفوذ الفرنسي بالمغرب”. ولم يهمل ” دوتي” في مؤلفه الدور الذي يمكن أن تلعبه الصحافة كأداةللتدخل السلمي بالمغرب . فلاحظ أن المصلحة الفرنسية بهذا البلد تستدعي إيجاد صحف تتفادى الارتجال، وتدافع عن أطروحات فرنسا.” صحافة طنجة: مرآة للصراع الدولي حول المغرب (1900-1912) “، مرجع سابق، ، ص 206. راجع كذلك:

JamaâBaida , La presse marocaine d’expression française des origines à 1956,op. cit. ,p 62-63.

([7])-جامع بيضا : الصحافة كمصدر من مصادر تاريخ العهد اليوسفي : ” السعادة ” نموذجا ” ، ضمن ندوة السلطان مولاي يوسف 1912-1927، الدولة اليوسفية، منشورات مركز الدراسات والبحوث العلوية – الريصاني ،2004 ص8.

([8])– جامع بيضا :الصحافة كمصدر من مصادر تاريخ العهد اليوسفي : ” السعادة ” نموذجا ” ، مرجع سابق ، ص8.

([9])– نجيب تقي :مجموعة ماص الإعلامية بالمغرب في فترة الحماية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ (2000)، نسخة مرقونة بخزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط  تحت رقم 75969/ 75972 ، ص 8.

([10])-JamaâBaida , La presse marocaine d’expression française des origines à 1956,op. cit. ,p 91-139

([11])– يشترط ظهير 27 أبريل لإصدار كل صحيفة ، الإعلان عن هويتها وإيداع نسخ منها بأرشيف الحكومة ووضع ضمانة مالية والحصول على ترخيص إداري بالبيع والنقل والترويج. كما نص على العقوبات المترتبة عن انتهاك النظام العام أو المس ببعض الحريات العامة أو الحقوق الخاصة بالإفراد .عن خلفيات إصدار ظهير أبريل 1914 وباقي الظهائر الأخرى المنظمة لعمل الصحافة أنظر : محمد الإدريسي العلمي : ” التشريع الاستعماري للإعلام في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب ” ،مرجع سابق، ص 16-40.

([12])– منعت في الفترة الممتدة بين 1914-1927حوالي 89 صحيفة ، راجع جامع بيضا : الصحافة الشيوعية بالمغرب في ظل الاستعمار الفرنسي، ضمن كتاب دراسات تاريخية مهداة للفقيد جرمان عياش ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، 1994، ص 300.

241-JamaâBaida, La presse marocaine d’expression française des origines à 1956,op. cit. ,p 143-([13])

([14])– لقب Pierre Masبأوصاف عديدة منها ” إمبراطور الصحافة العظيم” و ” إمبراطور الصحافة الاستعمارية” و إمبراطور الطباعة ” و” سيد الصحافة والإشهار” و سيد الإشهار والطباعة ” و” السيد المطلق للصحافة الفرنسية بالمغرب” و ديكتاتور الرأي ” و المقيم العام للصحافة الفرنسية بالمغرب ” ، راجع نجيب تقي ،مجموعة ماص الإعلامية بالمغرب في فترة الحماية مرجع سابق ، ص 8.

Jamaâ Baida , La presse marocaine d’expression française des origines à 1956,op. cit. ,p- ([15])300.245ـ

Ibid ,p 303-375.-([16])

([17])نجيب تقي : مجموعة ماص الإعلامية بالمغرب في فترة الحماية ، مرجع سابق ، ص 239- 437.

يتبع ………..

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!