إشكالية التربية كيف السبيل إلى إيجاد غايات التربية؟ من أجل المجتمع أم من أجل الولد؟

2016-05-09T09:07:08+01:00
تربية و تعليم
8 مايو 2016آخر تحديث : الإثنين 9 مايو 2016 - 9:07 صباحًا
إشكالية التربية  كيف السبيل إلى إيجاد غايات التربية؟ من أجل المجتمع أم من أجل الولد؟

الأستاذ: عبد الواحد سعادي
تلك هي المشكلة الفلسفية العظمى التي لا يمكن أي علم أن يحلها، ولكن كل إنسان يطرحها فور أن يعهد إليه في التربية.
إن المذاهب التجريبية أو العلموية التي لا تقر بأية قصدية متأصلة في طبيعتها تسعى إلى تلك الغاية في الخارج وتقول إننا نربي الولد للمجتمع، أما أنصار الطبيعة فيريدون على النقيض من ذلك أن يربي الولد لنفسه ولكي نخوله أن يتفتح
فالمذهب الأول ينزع إلى التحكمية ويعتبر أنه يجب إجبار الولد والتضييق عليه لإلحاقه بحضارة لا تتمهل، ويجيب المذهب الثاني بأنه من الظلم ومن الخطر أن نخضع الولد لقواعد ليست ملكه، فليس ذلك تنشئة بل تشويها، وان التنشئة احترام ذلك الشكل المتأصل في كل ولد.
للمفهوم الأول واقعية، ففي الواقع، إذا لم نهدف إلا إلى تفتح الولد، ألا نوشك أن نجعل منه فاقد توازن عاجزا عن الاندماج في البيئة التي هي ملكه في جميع الأحوال؟ وان لكل مجتمع متطلبات لا يستطيع أن يتخلى عنها، لنفترض إذن ان المعاهد والجامعات تترك الطلاب يختارون برامجهم، فيحق للمجتمع مع ذلك، أن يسألهم عن إمكانية الاشتغال للمهندسين والأطباء والأساتذة المدرسين، الذين تنشد مؤسسات كهذه تنشئتهم، بيد أن المقصود هو أكثر من باعت نفعي بكثير، الا يحق للمجتمع أن يتطلب من التربية أن تنقل إلى الولد تلك القيم التي لا إمكان لحياة اجتماعية بدونها؟ لنبدأ باللغة التي هي التراث الذي لا يمس لدى شعب ما، فإذا ما تخلينا بحجة أننا نحترم عفوية التلاميذ الشفهية، عن إجبارهم على أن يعبروا عن أفكارهم تعبيرا جيدا واضحا دقيقا أنيقا، فنحن نخون، ونحن نخون كذلك إذا ما تركنا الولد يرسم عفويا بغير أن نسعى إلى دمج حركته في تقنية وفي تقليد ثقافي هو الفن، ونحن نخون فور إقلاعنا عن نقل كنوز الشعر والعلم والأخلاق التي تخول وحدها الولد أن يصبح راشدا تماما، وبكلمة، إن قوة هذا المفهوم تكمن في أنه يثبت اننا فيما نكيف الولد وندمجه في المجتمع، نعمل في الوقت نفسه من أجل غيره.
ويجيب أنصار الطبيعة بأنه يتحتم على هذا المذهب، برفضه الإقرار بأية قيمة مفارقة للعلم، أن يلجأ إلى قواعد علمية مزعومة كالـ “عادي”وال” التكيف” وال ” اندماج”، ويفضي بالتالي إلى أسوأ امتثالية، ولقد كان موزار وبيتهوفن و روسو و نيتشه و فن غج غوغين على كل حال غير متكيفين، ومن يجرؤ على القول أن نبوغ هؤلاء لم يكن لا تكيفهم بالذات؟
إن الاندماج الاجتماعي من الناحية الأخلاقية خاصة، ليس البتة قاعدة لا جدل فيهان لأن كل مجتمع ينطوي على نصيب من التعصب والأنانية المقدسة والسوقية: فهل يتحتم علينا ” تكييف” الأولاد مع مجتمع عنصري، وأي مجتمع ليس عنصريا في قليل أو كثير؟ إن تربية كهذه هي، إلى ذلك، ضارة بالنسبة إلى المجتمع بالذات، لكونها تسهم في تجميده و في تضليل كل ما ينطوي عليه من انفتاح، ذلك أن المجتمع ليس البتة بسيطا، و إذا ما جهلنا ذلك، هيأنا الولد لطبقة خاصة وتركناه مجردا من كل سلاح في بيئات أخرى، هي بالضبط تلك التي انقرض فيها النظام ذو الطراز المدرسي.
وليس المجتمع أيضا سكونيا البتة، ونحن إذ نزعم تكييف الشباب تقنيا و أخلاقيا مع مجتمع اليوم، ننسى أنه سيكون غدا مجتمع الأمس وسيكونون غرباء في العالم الذي ينتظرهم، لنتأمل اللغة بالضبط: فلماذا نفرض على التلامذة لغة مدرسية خاصة ومصطنعة إلى حد ما، في حين أن لغة بلد واحد تنطوي على أنواع عديدة من اللهجات وتنمو بلا انقطاع؟ وقصارى القول إننا عندما نرغب في أن نجعل من الولد وسيلة للمجتمع، لا نسهو عن عزة نفسه الخاصة فحسب بل نجعل منه أيضا وسيلة سيئة جدا.
ترانا نعمل من أجل المجتمع أم من أجل الولد؟ قد نوجد هنا في تغيير زائغ، أفلا وجود بين الفرد والمجتمع للفظة ثالثة هي الإنسانية؟ و إن التربية نفسها تشهد بذلك، فإننا لا نرى الولد لكي يبقى ولدا، كما لا نربيه لنجعل منه ” عاملا ومواطنا” و إنما تربية لنجعل منه إنسانا، أعني كائنا قادرا على التبادل والاتحاد بكل ما هو إنساني، فالآثار الجمالية الكبيرة والقوانين العلمية والقيم الأخلاقية ليست اجتماعية بل إنسانية ، ولئن عبر عنها في لغة وثقافة محددتين فإنها مع ذلك قابلة للترجمة وبالتالي يفهمها كل كائن إنساني، والواقع أن نموذجا إنسانيا ليس قط خارجيا، فهو إذ يوقظ ذكاء الولد وشخصيته، يجعله إنسانا إذ ما فرقت عفوية الطفولة فارقت أيضا القوانين الاجتماعية، فاللغة الفرنسية هي أكثر من فرنسا بكثير، والحال أن الإجبار يتوقف مع تلك المفارقة بالذات، إن كتابا كمونتاني ورابليه وبروست واندري جيد يتكلمون جميعهم لغتهم على وجه معجب، وبالرغم من ذلك أو الأفضل، بسبب ذلك، فان كلا منهم يتكلمها على طريقته و بحسب أسلوبه، ويتحتم على التربية أن تخول كل فرد أن يلقي أسلوبه، و أن يكون نفسه أبعد من العفوية المتفككة و أبعد من القوانين الجاهزة و ” الكليشهات” و أن يكون نفسه في استيعاب ما تقدم كل ثقافة من إنساني حقا.
و هكذا فيما نرفض تربية مجبرة لا تهدف سوى إلى الإمتثالية الاجتماعية كما نرفض تربية فوضوية توشك أن تحجز الولد في الطفولة,نستطيع أن نجد قاعدة تربوية تخول الولد أن يكمل “طبيعته” في ثقافة تكون إنسانية حقا,و لنوضح أن ذلك البعد يجعل مفهوم غاية التربية نفسه باطلا,أعني بهذه الغاية حدا قد نتمكن من بلوغه دفعة واحدة في استطاعة المرء بلا ريب أن يهدف إلى أن يصبح بطلا أو مهندسا,و لكنه لا ينتهي في صيرورة إنسانا,و هكذا فإن هدف التربية,كما قال ديوري :هو أن تخول كل فرد ألا يوقف تربيته على الإطلاق. “كتابه,ديمقراطية و تربية الصفحة 100”.
إعداد :عبد الواحد سعادي,كاتب صحفي
بطاقة التعريف الوطنية رقم:54279M
رقم الهاتف:06.65.01.23.07

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!