جوانب من تاريخ وادي أم الربيع (2) ” تاريخ سمك الشابل”

2016-07-22T23:49:40+01:00
اقلام حرةثرات أزمور
22 يوليو 2016آخر تحديث : الجمعة 22 يوليو 2016 - 11:49 مساءً
جوانب من تاريخ وادي أم الربيع (2)  ” تاريخ سمك الشابل”

rps20160722_103258

ازمور انفو24 بقلم :عبداللطيف عوام
تمهيد:
تحدثنا في الحلقة الأولى ” العدد السابع من هذه الجريدة” عن جوانب من تاريخ وادي أم الربيع ، الذي يعتبر هو المؤسس لهذه المدينة والباعث لها من رقدتها ،منذ تلك الفترة الغامضة من التاريخ،حيث تتضارب روايات المؤرخين والجغرافيين القدامى ، من الإغريق ومن الرومان ،أمثال هيرودوت وبطليموس وبوليب وحانون ، ومن المسلمين أمثال البكري والشريف الإدريسي وابن الزيات والحسن الوزان والحميري صاحب الروض المعطار..وكل هذا جعلنا نقف عند تسمية الوادي :أسانا ،أناتيس ،وادي وانسيفن،أم الربيع.وسوف نتوقف في هذه الحلقة عند عطايا هذا الوادي للمدينة ،وعن أسماك الشابل ،وما هي عطايا هذا الوادي للمدينة ،وعن تاريخ أسماك الشابل،وما هي أنواعها ؟ وما قيمتها الغذائية في مطبخ المدينة؟وما هي أسباب انقراضها؟
1 ـ خصوصيات سمك الشابل:
إن أهم منتوج نهري بوادي أم الربيع ،هو سمك الشابل،لأنه منذ الفصل الذي يبدأ فيه نزول المطر في إفريقيا إلى شهر ماي تصطاد من أم الربيع كمية وفيرة من السمك المعروف في إيطاليا “لاتشيه” ،وهو الشابل، يتغذى به جميع سكان أزمور.ويشير المؤرخ والرحالة الحسن الوزان في كل مناسبة ،على أن الشابل في أزمور كثير جدا ،وهذا ما يؤكده الزوار وشهود العيان والمهتمون ،ذلك أن سمكة الشابل سمكة عجيبة مدهشة بحجمها وشحمها ،إذ أنه يحوى من الشحم أكثر مما يحويه من اللحم ،حتى إنه يكفي لقليه اليسير من الزيت ،وبهذا الزيت كانوا يستعينون على إيقاد مصابيحهم في هذه البلاد ،هكذا يقول الوزان.
والشابل سمك مهاجر ، لأنه يقوم بهجرات طويلة المسافة ،ويلج أعالي مياه الأنهار العذبة لوضع البيوض ،ويعود الكبار إلى البحر.وبعد أربعة أيام إلى ثمانية تخرج الصغار من بيوضها في مياه تترواح حرارتها بين 17 و 18 درجة .وهو يتغذى على العوالق وبراغيث الماء ويرقانات الحشرات إلى غير ذلك. وتبقى الصغار سنة أو سنتين في الأنهار قبل الذهاب إلى البحر ويصير بالغا بعد أربع سنوات ،بالنسبة للإناث .والشابل يصاد بالطريقة التقليدية بالشباك المستقيمة ،الفعرية والسطحية ،وبالشباك الحواجز.ويتراوح طول الشبكة بين العشرين والأربعين مترا والعرض متران.ويصل طول الشباك المستعملة في المراكب إلى مائتي متر.وهي تنصب متعامدة مع النهر.
ولم يكن هذا السمك موجودا في كل الأوقات ،ولا مسموحا بصيده بعشوائية ،وحسب أحد الشهود الذي يذكر بأنهم في مدينة أزمور يقومون بعمليات عجيبة بصيد الشابل ،وهي عمليات مكثفة وقوية وجيدة .وكانت هناك تقاليد متبعة في صيده ،وله نظام وموسم خاص به ،إذ يبتدئ موسم الصيد في أكتوبر وينتهي في أبريل .وهذا يحدث في وادي أم الربيع وكذلك في وادي سبو،لأنه من المعتاد أن يصطاد فيه سمك ممتاز هو الشابل.وقد تمتد فترة الصيد من أكتوبر إلى ماي ،وفي بحيرة “بنزرت “، في بلاد تونس،يصطادون نوعا من السمك يسميه الافارقة “زرافة”، وهو الشابل ،كما يؤكد الوزان.ويجعل بعضهم هذه المدة تتقلص إلى أقل من ذلك بشهر أو شهرين . ويقام الصيد كل سنة من شهر دجنبر إلى مارس ،على قول.وعلى قول آخر فقد تدوم فترة الصيد من بداية نونبر إلى يونيو.ولا نعتقد أن هناك تضاربا في الأقوال حول فترة الصيد ،لأنه كلما كان الموسم مطيرا كانت أسماك الشابل كثيرة ،لأن المياه تصبح أكثر عذوبة عندما ينزل المطر،فيدخل حينذاك السمك إلى المياه العذبة.ومتى قلت العذوبة فان السمك يمضي مهاجرا.
ويجب أن نعلم أن سمك الشابل من فصيلة الصابوغيات = Clupéidés ،وسكناه الطبيعية في البحر،وهو سمك مهاجر إذ يصعد كل سنة إلى الوديان المغربية الأساسية مثل سبو وبورقراق وأم الربيع وسوس وملوية ،حيث يضع بيوضه .وهذا السمك يتأخر بعض الوقت في المياه المنحدرة للوديان ولا يصعد إلى الأحواض المتوسطة والعالية للتيار المائي إلا في يناير. وهذاالمكوث في الجزء السفلي هو من أجل التأقلم الضروري لإتاحة العبور التدريجي من الماء المالح إلى الماء العذب.وتعتبر مدينة أزمور محظوظة في فترة النزول بحيث يكون الشابل قد استكمل دورته الموسمية ،وبدءا من شهر مارس يعود الشابل للنزول ثانية .ولكن هذا النزول الاخير لا يكون من نفس درجة الصعود ،لان السمك لا يتغذى ما دام في الماء العذب وفي فترة طرح البيوض .ولهذا فانه حين يصعد يكون غنيا بالشحم ومرتفع الثمن،بينما الذي ينزل فانه هزيل البنية وثمنه منخفض جدا .والشابل متى كان صغيرا جدا يسمى “بلالوز” ، وحين يصل وزنه إلى حوالي نصف كيلو يطلق عليه اسم “الريم”.وقبل أن يصل إلى الكيلو يسمى”الشبوق”.ولا يسمى الشابل إلا حين تجاوزه الكيلوين فما فوق.
2 ـ أنواع سمك الشابل:
والعلماء يميزون في سمك الشابل بين ثلاثة أنواع رئيسية ،هي:
-شابل السباسيديماشاد Spassidimashad،وهوالموجود في أمريكا.
ـ شابلالفينتاFinta ،والعلماء لم يتوصلوا إلى الأصل الحقيقي لهذا النوع من الشابل في المغرب.
ـ شابل الفيلكاريس ـ Vulgaris ،وهو أجودها ويوجد في البحار المجاورة لأروبا،ومنها الأنهارالقريبة مثل أم الربيع .وهذا النوع الأخير هو الملاحظ في مدينة أزمور سواء بطوله المتراوح بين نصف متر وأقل من المتر،أو بوزنه المتأرجح بين كيلوين وأربعة كيلوات ،أو بلحمه الذي هو طيب المذاق .ولا بد من الإشارة أن الذكر أقل جودة من الأنثى التي هي أفضل بكثير،لذة ومذاقا،وذلك لما تختزن من الدهون والبيوض ،ويتجاوز وزنها خمسة كيلوات .وهي ولود إذ تبيض ما بين مائة ألف إلى 150 ألفا من البيوض.
ويوجد شابل أكتوبر في الأيام الأولى للأمطار،ويكون ذا جودة عالية وبكميات كافية وثمنه متوسط .ومع بداية يناير تتراجع الوفرة على حساب شابل كثير الدهن وشديد اللذة ،وهذا يرتفع ثمنه عاليا،ولا يعود في متناول الجميع إلا في شهر مارس ،ولكنه يغدو قليل اللذة فقيرا في الدهون .وهذا ما تجسده أمثال العامة في المدينة إذ تقول بأن شابل يناير يأكله أصحاب الشكاير،أي الأغنياء .وشابل مارس يأكله الدراوش،يعني الفقراء والمساكين.
3 ـ هل كان سمك الشابل السبب في احتلال المدينة؟
والصيادون أصحاب الفلايك ،مثل باقي أصحاب الحرف الأخرى ،ينتسبون إلى إحدى الزوايا أو إلى زوايا مختلفة .ومتى بدأ موسم الصيد يذهبون إلى زيارة ضريح مولاي بوشعيب السارية للتبرك وإحياء الليلة هناك.وبعد ذلك يباشرون الصيد بالتناوب وقد ارتبط اسم المدينة بسمك الشابل،وتميز منها عن سائر أنواع السمك مما يصاد في باقي الوديان إلى أن غدا صنفا راقيا “un poisson de choix”، ولعله لهذا السبب يختلف عن الشابل المصطاد في نهر بورقراق.ويكمن غنى أزمور في وفرة أسماكها واشتهرت بصيده .وكان يجلب عددا كبيرا من تجار أوربا ،الذين أخذوا يزدحمونعليها.وأصبح الصيد في الوادي يستأجر لبعض التجار الأجانب ،خاصة منهم الاسبانوالبرتغال،وذلك لمدة سنة أوسنتين.وبعد ان كان منتوجا رائدا وغير مسوق أصبح سمك الشابل صناعة ،تعيش عليها المدينة ،وأصبحت مبيعاته وواجبات الصيد التي يدفعها الأجانب تكون أهم مورد تعيش عليه المدينة،إلى أن غذا الوادي قبلة للصيادين من أهل أزمور يتخذون من الصيد حرفة ويقومون بتشريح وتمليح وتجفيف السمك وبيعه في الأسواق .وبعد ذلك تأخذ الأسماك طريقها إلى مملكة البرتغال على ظهر عدة سفن.وهذا النشاط في صناعة سمك الشابل جعل مداخيل الضرائب الناتجة عنه تشهد تصاعدا حتى إن الضريبة السنوية،حسب الوزان،التي كان يضمنها صيده للمدينة تراوحت بين 6000 إلى 7000مثقال،وهو رقم كبير .وسوف تزداد هذه المداخيل تصاعدا حينما ارتأى المسؤولون كراء حق الصيد في الوادي ،بحيث أصبح بأيدي من لهم إمكانيات مالية كبيرة .هذا ،وبالإضافة إلى إقبال الإيبيريين على منتوجاتأزمور من الحبوب والجلود والشموع والصوف ،وغيرها من مواد النسيج، اشتد إقبالهم أيضا على الشابل.وتوالت وفود التجار القشتاليين على أزمور لهذا الغرض .وكانت الأسماك تحمل على البهائم،ولعل كميات الشابل ،وغيرها من الثروات ،المتوفرة في أزمور قد أغرت التجار البرتغاليين ،فأخذوا يلحون على سلطات بلادهم بالاستيلاء على أزمور ،حتى إنهم تمكنوا في النهاية من إقناع ملك البرتغال بالاستيلاء عليها.وبعدها لم يتردد هذا الملك ،وهو الدونامانويل الأول ،الذي حكم البرتغال بين سنتي 1495ـ 1521، من تلبية طلب التجار مقتنعا بكلامهم حول أهمية مدينة أزمور .وما كان منه إلا أن أرسل أسطولا لهذا الشأن .وكان على الحكام حماية التجار ،وهذه الحماية زادتهم ثقة بالنفس ودفعت بهم إلى إضافة دور سياسي إلى جانب دورهم التجاري.

وأمتد الاحتلال من سنة 1513 إلى 1541، ومنذ ذلك الحين والبرتغال يعمل على استنزاف سمك الشابل ،بصيده وتصنيعه وتسويقه،فما هي نتائج كل هذا على سكان أزمور؟ومتى وكيف أدخل هؤلاء تقليد طبخ سمك الشابل في مطبخهم وضمن عوائدهم ؟وماذا كان مصير وادي ام الربيع بعد هذا الاستشراف ؟
المراجع:
• الحسن الوزان، وصف افريقيا ،جزءان، دار الغرب الإسلامي.
• أحمد بوشرب ، دكالة والاستعمار البرتغالي، دار الثقافة، 1984.
•كتاب جماعي ، الوجود البرتغالي بالمغرب ، مطبوعات أكاديمية مملكة المغرب.
• كتاب جماعي ، أزمور حاضرة دكالة ، مطبوعات كلية الاداب بالجديدة،2007.
•ميشوبلير ، مدينة أزمور وضواحيها ، مطبعة سل ، 1989.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!