لماذا العربية الفصحى مستهدفة؟ و عند علماء الغرب أنفسهم اللغة العربية أكمل اللغات

5 يناير 2014آخر تحديث : الأحد 5 يناير 2014 - 9:29 مساءً
لماذا العربية الفصحى مستهدفة؟  و عند علماء الغرب أنفسهم  اللغة العربية أكمل اللغات

يكتبها  :عبد العظيم حمزاوي الأزموري

و من يتأمل واقع اللغة العربية اليوم فضلا عن جمالية إيقاعها و موسيقيتها المتميزة ، ثم ينظر إلى مسيرتها عبر تاريخها الطويل الحافل، سيلاحظ أنها قد مرت بمجموعة من المراحل المتفاوتة المتأرجحة بين الازدهار أو السير العادي في الغالب، وبين التراجع أحيانا، إلا أنها فيما يبدو لم تشهد حملة معادية منظمة وشرسة، مثلها حدث خلال مرحلة المد الاستعماري على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، و كذلك خلال ما يسمى بمرحلة الاستقلال، لأن الأمة و إن كانت قد تخلصت من القوات العسكرية، فقد ظلت تعاني  ولا تزال من أنواع أخرى من الهيمنة، في مقدمتها الهيمنة الفكرية أو الغزو الفكري الذي آل اليوم بعد انكشاف أساليبه إلى ما يعرف بالعولمة التي تسعى إلى إلغاء الهويات، و تذويب الخصوصيات، في إطار ما يعرف بالنظام العالمي الجديد و منظومته المرتبطة به.

لقد سادت العربية الفصحى خلال عصور متوالية في مختلف البيئات الإسلامية سيادة مطلقة دون أن يرميها أحد بأي تهمة تقلل من شأنها بين اللغات، ولم يثبت أن اشتكى أحد من عيب أو قصور أو عجز فيها، بل كان التنويه كبيرا بإمكاناتها المتعددة، وخصائصها المميزة لها عن غيرها من اللغات بالنظر إلى مكوناتها وقابليتها للاشتقاق، و تعدد مجالات إغنائها، و قدرتها على استيعاب مختلف الحمولات و المعارف، فضلا عن جمالية إيقاعها و موسيقيتها المتميزة.

 

و المثير للغرابة والعجب أن الحملات توجه إلى اللغة في ذاتها لا إلى أهلها، مع أن القصور الذي تُرمى به ليس راجعا إليها، بقدر ما هو كامن في أبنائها، و لاسيما والإجماع حاصل عند علماء الغرب أنفسهم على أن العربية من أكمل اللغات، و يكفي الاطلاع على مجموعة من معاجمهم كمعجم لاروس   ، أو معجم لالند للوقوف على هذه الشهادات.

غير أن المغرضين مثل عيوش و من معه  تألبوا و تجاهلوا تلك الحقائق، و راحوا يختلقون الأسباب تلو الأسباب للتشكيك في إمكاناتها، وسعوا إلى إبعادها عن مصادر القرار، و حاولوا فصل المسلمين عن ماضيهم لطي إنجازات الأسلاف بهذه اللغة، مع تلميع اللغات الأجنبية، و تشجيع اللهجات خاصة منها الدارجة بكل الوسائل الممكنة، و في هذا الجو ظل لدعاة التغريب مجال لبث أفكارهم، و ترويج دعواتهم، ثم سلموا المشعل لتلامذتهم وأتباعهم فتبنوا مقولاتهم و صاغوها صياغة جديدة، و توسلوا بما توهموا أنه يغطي حقيقة نواياهم، أو يضفى على حملتهم و موقفهم طابع المشروعية، و لكن دون طائل كبير، و ذلك كما يقول أحد كبار المجمعيين لأن: “الفصحى تراث الماضي و مجد الحاضر، بقيت على الدهر، و سارت مع الزمن، بحيث أضحت لغة قديمة حديثة، تجمع بيت التالد والطارف، و تربط الناطقين بها بأوثق رباط، وقل أن تلتقي معها في هذا لغة أخرى”

هذا فضلا عن أنها لغة القرآن الكريم، و بحفظه الذي تولاه الله عز وجل نفسه يتم حفظها، لأنها وعاؤه و لسانه مصداقا لقوله تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظو…” نحفظها في حفظه، و من هنا تعددت فضائلها وتنوعت مزاياها، و ازدادت الجهود في خدمتها وتطويرها والارتقاء بها.

و لذلك فإنه يبدو بكل تأكيد أن إقدام منظمة  الإيسيسكو، مشكورة مأجورة، إن شاء الله عز وجل، على تنظيم هذه الندوة الخاصة باللغة العربية وتحديات العصر، يعد عملا  إيجابيا إلى حد بعيد، لأن التحديات لم تتوقف، و الحملة على الفصحى لم تنته، و لاسيما مع تصاعد حملات التغريب، و إسهام مختلف وسائل الإعلام في نشر الدعوات المختلفة، و تزايد الجهود لتسخير الفنون لتبني اللهجات من بينها الدارجة إلى غير ذلك من المظاهر السلبية التي تؤكد الواقع المؤلم للفصحى التي غدت غريبة في بيئتها، وهذا ما يجعل هذه المبادرة تأتي في و قتها المناسب، و يؤكد أنها ليست وليدة الصدفة، بل هي ناتجة عن  إحساس قوي بما آل إليه أمر هذه اللغة من تفريط، على الرغم من كونها مقوما رئيسيا من أهم مقومات كيان الأمة، ولعل هذا السبب هو الذي جعلها لا تزال مستهدفة في خضم الظروف والتحولات التي يعرفها زمننا هذا بتأثير مما يسمى بالنظام العالمي الجديد والعولمة، وبدافع من المواقف السلبية من كل ما هو عربي إسلامي، بل وبموازاة مع ما يشهده العالم الإسلامي، وقلبه النابض: العالم العربي من تحديات، فقد تفاقم وضع الفصحى وزاد إهمالها إلى حد كبير، و ذلك مع بروز الردة إلى التغريب، وتزايد الاهتمام بالعامية، و الاعتناء  باللهجات الإقليمية و المحلية ذات الانتشار الضيق.

و الحقيقة أن تجدد الحملة على الفصحى ليست إلا لأنها لغة القرآن الكريم، و لغة التعبد، و لغة الفكر و الأدب و الحضارة و العلم، بهدف إبعادها عن الصدارة والتشكيك في قدراتها وإمكاناتها، و لأن إضعافها في زعمهم إضعاف لأهلها و هذا بعيد المنال.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!