الشعوذة في الوسط المغربي ظاهرة اجتماعية ؟ … ضحاياها ؟…. وما هي أسباب انتشارها ؟ و لماذا اكتسب المغاربة هذه الصفة؟

6 يناير 2014آخر تحديث : الإثنين 6 يناير 2014 - 11:25 مساءً
الشعوذة في الوسط المغربي ظاهرة اجتماعية ؟ … ضحاياها ؟….  وما هي أسباب انتشارها ؟ و لماذا اكتسب المغاربة هذه الصفة؟

فهل يمكن الحديث عن وجود تواطؤ ما، بين  المشعوين  و السلطة، و لماذا لا تتم محاربة هذه الفئة التي تتسبب في تشويه سمعة المغرب و المغاربة؟ خصوصا إذا عرفنا أن القانون الجنائي المغربي لا يتضمن أي عقوبة من أي نوع ضد من يمارس أعمال السحر والشعوذة. 

عائشة البحرية الوهمية
عائشة البحرية الوهمية

هل المغاربة مشعوذون أم أنها مجرد تهمة تلصق بهم وتساهم في انتشارها وسائل الإعلام العربية و المحلية، و لماذا اكتسب المغاربة هذه الصفة، بحيث كلما أثيرت قضية من قضايا السحر و الشعوذة في الصحافة تقود خيوطها المتشابكة في أحيان كثيرة، إلى مغربي أو مغربية ساهما أما بشكل مباشر أو غير مباشر فيها، لدرجة إن «الخبرة» المغربية في هذا المجال لا يعلى عليها وأصبحت مطلوبة جدا مثل العملة الصعبة في مختلف الدول العربية. و رغم ان الصحافة المحلية لا تتوقف عن نشر مقالات عن المشعوذين وأساليب النصب والاحتيال التي يمارسونها على ضحاياهم و التي تتجاوز الابتزاز المادي إلى القتل أو الاغتصاب أحيانا، فإننا لم نسمع عن حملة لمحاربة هؤلاء المشعوذين الذين يمارسون «مهنتهم» بشكل ظاهر وعلى مرأى ومسمع من الجميع، بل منهم من يملك «عيادات» خاصة في أحياء راقية يستقبل فيها الزبائن من مختلف الطبقات الاجتماعية مقابل مبالغ مالية تحدد حسب المنصب الذي يشغله الزبون أو الزبونة. 

1335618372442

فكيف اكتسب المشعوذون المغاربة أو «الفقهاء» كما يطلق عليهم بالعامية المغربية، هذه «السمعة الطيبة» و استطاعوا منافسة «زملائهم» في البلدان العربية الذين يستسلمون كليا أمام ادعاءاتهم بامتلاك «قدرات خارقة» لحل ومواجهة جميع المشاكل في مختلف مجالات الحياة بدءا من الزواج و الطلاق و العنوسة و العقم و الأمراض إلى استخراج الكنوز من باطن الأرض و البطالة و السياسة. و لم يتسن لنا الاتصال بأحد المشعوذين أصحاب الخبرة «العالمية» الذين يتنقلون في بلدان عربية و أوروبية لتقديم خدماتهم للزبائن مقابل مبالغ مالية كبيرة، لكننا استقينا معلومات من مصادر مختلفة تفيد بأن «الفقيه» المغربي يجد كل الترحيب والحفاوة و يستجاب لطلباته و شروطه من طرف الزبائن خصوصا الميسورين منهم القادمين من دول عربية، حيث يتقاضى أجرته بالدولار. و رويت لنا في هذا السياق قصص كثيرة من بينها أن ثريا عربيا كان مستعدا للتنازل لمشعوذ مغربي عن جميع أملاكه مقابل أن يشفيه من مرض الشلل الذي أصابه و الذي فشل الأطباء في علاجه، و نصحه أحد الأقرباء بالتوجه إلى المغرب للقاء أحد الفقهاء المشهورين ليجرب علاجا من نوع آخر، بعدما أقنعوه بأن الشلل الذي أصابه هو نتيجة سحر، لكن العلاج لم يأت بأي نتيجة، و عاد إدراجه بعد أن صرف الكثير من الأموال. و شخص آخر أصيبت زوجته بمرض الانفصام لم ينفع معه العلاج الطبي أيضا، و بعد أن فشلت محاولات المشعوذين المحليين اتصل بمغربي مقيم في دولة أوروبية وتمكن هذا الأخير من أن يجمع من و رائه الملايين قبل أن يكتشف زوج المريضة بأنه تعرض للنصب والاحتيال، وعندما قرر إبلاغ الشرطة كان المشعوذ قد اختفى ولم يعثر له على اثر. قصص كثيرة تصب في نفس الاتجاه و تؤكد من دون شك أن المشعوذين المغاربة أذكياء و نجحوا لحد الآن في تسويق تجارتهم المربحة، و هذا ما أكده لنا عياد ابلال وهو أستاذ متخصص في علم الاجتماع و الانتروبولوجيا، بعد أن رفض أربعة أساتذة من نفس التخصص الحديث إلينا، وقالوا أنهم غير معنيين بالموضوع !.

images

و أوضح ابلال أن «ممارسة السحر والشعوذة بالمغرب و التي هي امتداد لانتربولوجيا ثقافية تاريخية ليست وليدة اللحظة، تعتبر مصدرا اقتصاديا وموردا للاغتناء السريع، من هذا المنطلق، ونظرا لمدى سذاجة التفكير الشعبي المغربي والعربي عموما، فان هؤلاء السحرة يشتغلون في هذا المجال انطلاقا من منظور التسويق الاقتصادي. و في إطار رفع قيمة رأس المال الرمزي لهؤلاء السحرة والمشعوذين، يعتمدون على آليات الإشهار و الدعاية والتسويق، تعتمد على بطاقات الزيارة و الإعلانات في الصحف وعلى بعض المواقع الالكترونية، كما يهتمون بتسويق سمعتهم وخبرتهم خارج البلد عن طريق الخدمات التي يقدمونها للجاليات المغربية بأوروبا و هي جالية كبيرة، و الأعمال التي يقومون بها تعد تجارة جد مربحة أثبتت فعاليتها، و هذا ما وقفنا عليه من خلال لقاءاتنا و تتبعنا العميق لهذه الظاهرة الشعبية، و من هذا المنطلق بالتحديد وجدنا أن صورة السحرة المغاربة بالخارج جيدة و تترجم خبرة مفترضة، هي في الحقيقة تمويه إعلامي لهذا المجال الذي أصبح يعتمد آليات و ميكانيزمات «الماركتينغ» كما هو الحال في مجال الاقتصاد و التجارة».

و بالرغم من انه أكد نجاح المشعوذين المغاربة في تسويق «تجارتهم» التي أصبحت «ماركة مسجلة» في الخارج، فقد قلل من أهمية استعانة العرب بالخبرة المغربية في هذا المجال، و انتقد ما تنشره الصحف والمجلات العربية. و قال «إن الحكم على هذا الموضوع من خلال الصحافة هو حكم اختزالي «لأن الكتابات الصحافية في بعض المنابر والصحف العربية تنقصها النظرة العلمية». فهذه الممارسات والمعتقدات برأيه هي جزء من البنيات الرمزية للمتخيل الشعبي العربي، و بالتالي اعتبار الأوساط الشعبية العربية تستعين بالسحرة المغاربة مجرد كلام، لا يستند إلى أبحاث ميدانية، وأكد أن «تعاطي البعض من «الفقهاء» المغاربة في دولة عربية معينة إلى جانب الأهالي الأصليين، لهذه الممارسات و خاصة فيما يتعلق باستخراج الكنوز كما جاء على سبيل المثال، في أحد أعداد مجلة «سيدتي» من كون البعض في مناطق خليجية يستعينون بسحرة من المغرب، فهي في نظري مسألة واردة ولكن ليست قاعدة بقدر ما هي استثناء».

و من جهة أخرى برر عدم محاربة هؤلاء المشعوذين من طرف رجال السلطة بالصرامة المطلوبة ان لم نقل تشجعهم و تدعمهم في شخص بعض الأقطاب الساسية، بكون وجودهم يخدم الوضع السياسي العام في مختلف البلدان العربية و ليس في المغرب فقط. و قال إن «السياسي العربي يريحه الإبقاء على هذا الوضع، و ان يشجع الأوساط الشعبية التي ترتع فيها هذه الممارسات وهذا المتخيل الذي يغذيه الإعلام والثقافة الرسمية التي يبدو أنها لم تقدر خطورتها على النسق المجتمعي»، وبالنسبة للمغرب يبدو من وجهة نظره انه «بالرغم من وجود رغبة و إرادة سياسية في تخليص المجتمع من هذه الممارسات، وبالتالي خلخلة هذه المعتقدات والخرافات، هناك عدة أسباب تجعل هذه الرغبة والإرادة نسبية بل و شكلية، كما قال، من بينها أن البعض المستفيد من الوضعية الحالية و من تخلف هذه الأوساط، يسعى إلى عرقلة كل إصلاح، و خص بالذكر بعض السياسيين الذين سيفقدون الكثير برأيه، أن أصبح الفكر الشعبي فكرا نقديا و علميا، كما أن بقاءهم السياسي برهن بمدى سذاجة تفكير الأغلبية التي تشكل الأوساط الشعبية المغلقة، و هذا الوضع ينطبق على العديد من البلدان العربية».

و أكد ابلال أن «هذه الفئة من السياسيين و الذين هم في نفس الوقت رجال أعمال وأصحاب مشاريع كبرى، يساهمون بشكل كبير في إنعاش هذا التفكير الشعبي من خلال دعمهم المالي وحضورهم و إقبالهم عن السحر و الشعوذة أحيانا في المواسم والحفلات الشعبية التي تنشط فيها ممارسات من قبيل طلب «البركة» و«السترة» و قراءة الطالع، و كذا التقرب إلى «الأسياد» و «الأولياء» و كتبة التمائم و «الحروز» و «لحجابات» .

ومن جهة أخرى وفي ظل ارتفاع معدل البطالة وفشل مشاريع التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، فان الدولة لا تفكر ولن تفكر على الأقل على المدى القريب كما قال في تناول هذه المسألة بالجدية و الصرامة المطلوبين لأنه «على المستوى السوسيو اقتصادي فان هذه الممارسات قد أصبحت تشكل تجارة مربحة وتشغل عددا كبيرا من الأسر، و لا أدل على ذلك من ارتفاع عدد الدكاكين و المحلات التجارية الخاصة بمستلزمات و مستحضرات السحر و الشعوذة من بخور و أدوات و وسائل من حيوانات و أعضائها المحنطة و التي تباع بعضها بأثمان باهظة و التي تضر بشكل كبير بصحة المواطنين المتعاطين لهذه الممارسات، الشيء الذي جعل المستفيدين من هذه التجارة يحولون دون غيابها و افولها».

و لنفي، من جديد، «التهمة» الموجهة للمغاربة أو على الأقل «تخفيفها» أكد ابلال أن «هذه الممارسات ليست حكرا على منطقة أو قطر دون آخر، بقدر ما هي ممارسات تعتبر التطبيق المباشر و التجلي الحقيقي لطبيعة التفكير الشعبي العربي الذي يدين بالكثير إلى الخرافة والأساطير، وهذا التفكير من بين أسباب التخلف العربي، و هذا هو واقع الفكر الشعبي ليس في المغرب فحسب، بل و في عدد من الدول و الأقطار العربية المتخلفة. لكن الاختلاف يظل كما قال «في حدة التوتر و الانتشار و الكثافة الاجتماعية للأسباب التي سبق ذكرها».أما على المستوى النظري و الرمزي فقد أشار انه «من خلال العودة التحليلية لمختلف الكتب التراثية بخصوص وصفات السحر و التعاطي له، نجد أن اغلبها طبعت في المشرق وهذا ما يؤكده «الفقهاء» المتعاطون لهذه الممارسات والذين لهم نصيب أيضا من التأليف و النشر الذي يتم في سرية تامة».

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!