المفاجأة العظمى … انعطاف هام في العلاقات الإيرانية- الغربية

2014-01-21T23:31:21+00:00
دوليةسياسة
21 يناير 2014آخر تحديث : الثلاثاء 21 يناير 2014 - 11:31 مساءً
المفاجأة العظمى … انعطاف هام في العلاقات الإيرانية- الغربية

انعطاف هام في العلاقات الإيرانية- الغربية

 

 

caricature l'histoire

بعد مرور ثلث قرن من القطيعة، وانقضاء عشر سنوات من التأزم والتوتر حول ما أُطلق عليه اسم «برنامج إيران النووي» وقَّعت إيران مع دول /مجموعة 5+1/ اتفاقاً مرحلياً هاماً لفت أنظار العالم أجمع، كونه جاء بعد انتظارٍ طويل، وبعد أخذٍ ورد بين الجهات المعنيَّة ومحاولات عرقلة كثيرة قامت بها إسرائيل وحلفاؤها من اليمين الأمريكي داخل الولايات المتحدة بالتنسيق مع «الإيباك» الصهيوني هناك.

 

و الآن ماذا تضمن هذا الاتفاق؟…

يقضي الاتفاق بتجميد أنشطة إيران النووية، و وقف التخصيب فوق خط 5%، و فتح المنشآت الإيرانية النووية أمام عمليات التفتيش الدولي، مقابل عدة أمور وإجراءات منها: الإفراج عن أرصدةٍ إيرانية مُجمَّدة، و رفع الحظر جزئياً و بالتدريج عن الصناعات النفطية و البتروكيماوية و المصارف الإيرانية.

حتى الآن، لا يُعْرَفُ الكثير عن الاتفاق الذي قيل إنه يتألف من خمس عشرة صفحة، لكن ما تمَّ إيراده من معلومات و تسريبات عبر وسائل الإعلام التي «استنفرت» على مدى أيام و ساعات لتغطية لحظة الانعطاف التاريخية، يكفي للقول إن اختراقاً نوعياً قد وقع في مجال علاقات إيران مع الغرب، و أن هذا الاتفاق إن أحسن الطرفان تنفيذه بعيداً عن محاولات عرقلته من قبل إسرائيل وحلفائها، ومن بعض دول الخليج خاصة منها السعودية، سيقود إلى سلسلة من الاتفاقات اللاحقة، و أن صفحة جديدة قد فُتحت في علاقات طهران مع واشنطن و العواصم الأوروبية الأخرى.

جدير بالذكر هنا أن الموقف السعودي من هذا الاتفاق بلغ درجةً غير مسبوقة من «العهر» والمزاودة إلى حدٍّ تفوَّق على الموقف الإسرائيلي من الاتفاق المذكور، وذلك عندما صرح مصدر سعودي مسؤول «بأن النوم سيجافي سكان الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي الإيراني الذي وُقِّع بين إيران ومجموعة الدول /5+1/».

بالطبع مثل هذا التصريح مُخجل ومُعيب إلى حدٍّ كبير، ويدلُّ على غباءٍ سياسي منقطع النظير. وهنا لابد من سؤال صاحب هذا التصريح، هل اعتدت إيران على أية دولة عربية أو غير عربية خلال أربعة وثلاثين عاماً مضت على قيام الثورة الإيرانية؟ إذاً، لماذا هذا الأرق المتوقع والقلق السعودي المصطنع؟ لماذا لا تقلق السعودية من إسرائيل التي اعتدت أكثر من مرة على العرب عبر حروب مُدمرة ومعروفة وعبر احتلالها لفلسطين ومواصلة قمعها واضطهادها للشعب الفلسطيني؟ أعتقد جازماً، أن مثل هذا التصريح أُملي على السعودية، لأن الذهن الدبلوماسي السعودي لا يمكن أن يصوغ مثل هذه العبارات المُنمَّقة كونه معروفاً بالغباء، ولا يمكن أن تتفتّق عنه مثل هذه الأفكار والصور والتوصيفات والعبقريات.

من جهة أخرى أدى الاتفاق إلى شجار بين الولايات المتحدة من جهة وإسرائيل والسعودية من جهة ثانية، وراحت السعودية تُنسِّق مع إسرائيل وتتعاون معها علناً ضد هذا الاتفاق كما تعاونت ولا تزال تتعاون معها لتعطيل انعقاد مؤتمر /جنيف2/ الخاص بتسوية الأزمة السورية. 

كذلك تجدر الإشارة إلى مسألة هامة في هذا الإطار، وهي أن صمود سورية في وجه الحرب التي تُشنُّ عليها منذ أكثر من عامين ونصف العام، ساهم إلى حدّ كبير في إنجاز هذا الاتفاق بين إيران ودول الـ5+1، وشكل انتصاراً لإيران، لأنها كانت الهدف الثاني بعد سورية على أية حال يُعتبر هذا الاتفاق التاريخي حَلاً لأصعب العقد السياسية العالمية، حسبما أكد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، ولا شك بأن لروسيا أيادي بيضاء أيضاً في إنجازه.

إن الاتفاق الذي أنجز بعد أسابيع من التعطيل و الممانعة الفرنسيين، لاقى ارتياحاً دولياً واسعاً لم تشذّ عنه سوى إسرائيل و بعض الدول الخليجية، وبطبيعة الحال، لكل منها أسبابه و أولوياته الخاصة… بالنسبة لإسرائيل الأسباب تكاد أن تكون معروفة للجميع، إذْ لا يوجد اتفاق جيد مع إيران إن لم يشتمل على استئصال قدرات إيران النووية و العلمية والمعرفية استئصالاً تاماً و نهائياً… أما بالنسبة لبعض دول الخليج، لاسيما منها السعودية، فإن القلق مُصطنع، و يأتي في إطار المزاودة و محاولة الالتصاق أكثر بأمريكا و إسرائيل.

على أية حال، يمكن القول إن قطار التقارب الإيراني- الغربي قد انطلق، وليست هناك قوة دولية أو إقليمية قادرة على وقف سيرة و اندفاعه، صحيح أن معارضي الاتفاق الذين فشلوا في منع التوصل إليه، سيحاولون عرقلة تنفيذه، بيْد أن الصحيح كذلك، أن الاتفاق بات «حاجة»، كما بات «مصلحة» ملحة للدول التي أبرمته، فليس الغرب راغباً، أو قادراً إن هو رغب على إشعال أتون ثالث حرب كبرى في الشرق الأوسط الكبير في غضون عشرة أعوام، و لا إيران قادرة على احتمال المزيد من وطأة و آثار العقوبات الدولية التي كادت أن تؤثر على قدراتها الاقتصادية، و مسَّت حياة كل مواطن على أرضها، و لذلك كله، فالأرجح أن الجانبين سيذهبان إلى تنفيذ الاتفاق بذات الحماسة التي جعلت التوقيع عليه أمراً ممكناً.

بحسابات الربح والخسارة، يمكن القول إن الاتفاق يعكس بدقة معادلة «رابح-رابح» في العلاقات الدولية مع ميْل أكثر لصالح إيران حسب تقدير خبراء دوليين محايدين، وسيكون بمقدور الموقعين عليه العمل على تسويغه وتسويقه في مواجهة ألدّ الخصوم من محافظين أمريكيين ومناوئين آخرين له في فرنسا والسعودية و إسرائيل… إيران، يمكنها أن تقول إنها انتزعت نصراً يتمثل في الاعتراف بحقها في التخصيب و إن كان تحت سقف الـ/5/بالمئة، إلى جانب الإفراج عن أرصدةٍ لها جمدتها الدول الغربية، و رفع الحظر جزئياً في بداية الأمر عن الصناعات النفطية والبتروكيماوية و المصارف الإيرانية، و الغرب بمقدوره الإدعاء بأنه نجح في وضع البرنامج النووي الإيراني السلمي بالأصل، تحت سيطرة أعين الوكالة الدولية للطاقة النووية.

بالنسبة لإسرائيل، فإن الاتفاق الذي فشلت في الحيلولة دون التوصل إليه، فهي عدته بمثابة خبر سيئ للغاية، لدرجة انه يستدعي «الحداد» لا الاحتفال على حد تعبير مسؤول صهيوني، و هذا الموقف ليس مستغرباً من جانب إسرائيل،  و مفهوم من زاوية «نظرية الأمن الإسرائيلية» التي يسعى القائمون عليها إلى ترجمتها على أرض الواقع باستئصال البرنامج النووي الإيراني حتى  و لو كان سلمياً، و تجفيف منابع المعرفة النووية و التكنولوجية الإيرانية، حتى و إن تطلب الأمر إخضاع ثمانين مليوناً من الإيرانيين للتخلف و الجهل والفقر والظلام.

أما بالنسبة لموقف البعض من عرب المنطقة- وتحديداً السعودية- فهو ينطلق من الخشية من أن هذا الاتفاق سيساعد إيران على تعزيز دورها في المنطقة، لأنه سيخرج إيران من شرنقة العقوبات التي أضعفت اقتصادها وخزانتها، فالسعودية تريد أن تبقى المنطقة العربية بأسرها خاصة في الخليج مزرعة لأميركا و ميداناً فسيحاً لقواعدها العسكرية و لنشاطاتها التجسسية التي تصب في حماية إسرائيل وتعزيز دورها في المنطقة و لعل هذا ما يفسر قول مسؤول سعودي بأن المنطقة سيجافيها النوم بعد إبرام هذا الاتفاق.

على أي حال، فإن مواقف معارضي الاتفاق مواقف هشة، و لن تجدي نفعاً و هم يدركون ذلك تماماً، و لذلك لمس العالم أجمع الارتفاع الملحوظ في منسوب العصبية و الانفعال اللذين تعكسهما تصريحات المسؤولين في السعودية و إسرائيل و فرنسا، و خاصة أن الولايات المتحدة و بعض الدول الأوروبية أدركت أن ثمة فرصة لاستعادة مصالحها في إيران، تفوق في أهميتها «مخاوف» الخائفين و حسابات «المتحسبين»، إلى جانب أن رهان العواصم الغربية إنما ينطلق اليوم مما يمكن تسميته بـ«الديناميكيات الجديدة» في العلاقات الإقليمية الدولية التي سيوفرها الاتفاق الجديد، و خاصة أن تطورات الأحداث أكدت لهذه العواصم و في مقدمتها واشنطن و لندن أن إيران جزء من الحل لأي مشكلة في المنطقة.

بقي أن نقول إن هذا الاتفاق سيكون له أثر ايجابي على تسوية الأزمة السورية سلمياً و عن طريق الحوار كما ستكون له تداعياته الايجابية على صعيد القضية الفلسطينية وغيرها من المشكلات الشائكة في المنطقة.

و لربما كان الاتفاق على موعد انعقاد جينيف 2 أحد أبرز تلك التداعيات السريعة.

 

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!