الحلقة الثانية والعشرون: الهيبة ماء العينين أو السلطان الأزرق

azemmourinfo24
اقلام حرة
azemmourinfo2423 يونيو 2020آخر تحديث : الثلاثاء 23 يونيو 2020 - 9:26 مساءً
الحلقة الثانية والعشرون: الهيبة ماء العينين أو السلطان الأزرق

ازمورانفو24:احمد لمشكح.

سلسلة مقالات
من بينهم ابا حماد الكلاوي والعيادي وعيسى بن عمر وآخرون
باشوات وقواد حكموا بدون عرش
تقديم عام
لم يكن بناء الدولة المغربية وتحديدا على عهد العلويين سهلا. فقد اشتعلت الفتن، ولم يكن لبعض السلاطين الذين تولوا الحكم ما يكفي من الدراية لتدبير الشأن العام. إضافة إلى أطماع الأجانب الذين بدأوا في اكتشاف عالم ما خلف البحار. وقتها كان لا بد أن تتشكل فئة من مساعدي السلاطين عرفت كيف تأخذ بزمام الأمور، وتتحول أحيانا إلى حكام هم بمثابة نواب للسلطان أو أكثر. إنهم الباشوات والقواد الذين عاث بعضهم فسادا، وامتلك البعض كل السلط بيده. حدث هذا قبل دخول المستعمر الفرنسي إلى المغرب، وخلال تواجده أيضا.
يذكر المغاربة أن من بين أشهر هؤلاء يوجد ابا حماد، الصدر الأعظم الذي حكم بدلا عن المولى عبد العزيز، ومحمد المقري والباشا الكلاوي والقائد العيادي والقائد عيسى به عمر الذي وثقت غزواته العيطة العبدية، وآخرون.
في هذه الفسحة نعيد تركيب بروفيلات عن هؤلاء الذين حكموا بدون عرش.

///////////////////////////////////////////////////////////

كتب المختار السوسي في مؤلفه ” المعسول” أن أحمد الهيبة ماء العينين، الذي اختارته قبائل الجنوب المغربي سلطانا بعد أن تخلى المولى عبد الحفيظ عن الملك، واختار أن يدشن مواجهته للمستعمر الفرنسي بدخول مدينة مراكش والسيطرة عليها، إن الأمر أخاف الفرنسيين. وأضاف واصفا هذا الدخول قائلا لقد “نزل الهيبة بمراكش، وقد ضاق الأمر بالقنصل الفرنسي، وغشي الغوغاء على الأجانب، فأرسل إلى جميع الأجانب بأن يغادروا المدينة، إلا ألمانيا واحدا وفرنسيين وطبيبا لهم وترجمانا”. أما ساكنة مراكش، فقد استقبلته بالزغاريد والأهازيج، وهو معزز ب9000 مجاهد من قبائل الصحراء وقبائل سوس.
غير أن قوة الهيبة ستنهار بعد أن خاض ضد المستعمر ثلاثة حروب في سنوات متقاربة كانت أولاها قد وقعت في منطقة أربعاء الصخور في 16 غشت من سنة 1912، والثانية ببئر أوهام في 22 من الشهر نفسه، ثم المعركة الحاسمة في سيدي بوعثمان في سبتمبر 1912 وهي التي خسرها في النهاية.
هذا هو السلطان الأزرق، وهو لقب عرف به بالنظر للباس الأزرق الذي كانت يرتديه. إنه أحمد الهيبة ماء العينين، النجل الحادي عشر للشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين القلقمي الإدريسي الحسني، والمزداد لمنطقة شنقيط بالجنوب.
ظل الشيخ أحمد يرافق والده في أسفاره ولقاءاته بالملوك والسلاطين. وكان بالإضافة إلى ذلك، رجل دين وعلم حيث حفظ القرآن الكريم، وكان عارفا بأصول النحو والشعر والسيرة النبوية، حيث ألف كتب ” سراج الظلم فيما ينفع العالم والمتعلم”، و”سرادقات الله الدافعات”، وكتاب
“تعليق على حزب الخيرات”. لذلك ستجتمع قبائل الجنوب بمنطقة تيزنيت لتبايعه بالإجماع خليفة لوالده المتوفي في 1910.
وكانت محطة تنحي السلطان مولاي عبد الحفيظ العلوي عن حكم المغرب للمولى يوسف بعدما كان قد وقع مع الفرنسيين اتفاقية خضوع البلاد للحماية الفرنسية في 1912، مناسبة لكي يعلن نفسه سلطانا في مواجهة المستعمر. بل إن بعض المصادر التاريخية تتحدث عن الدور الذي لعبه المولى عبد الحفيظ نفسه لدفع الهيبة لكي يقوم بهذا الدور، حيث كان راضيا على حملته لأنه اعتبرها حملة جهادية، تسير على نهجه الذي وعد به زمن بيعة فاس، التي ستسمى بيعة حفيظية تضمنت جملة من الإلتزامات التي وعد بها السلطان وفي مقدمتها مواجهة المستعمر. وهناك من يذهب إلى أن المولى عبد الحفيظ، لما كثرت عليه الضغوط وأصبح سجين حصار الفرنسيين، كتب سرا للهيبة يحثه على الجهاد.
كانت أول تحركات الهيبة، هي الهجوم على مراكش باعتبارها عاصمة الجنوب بعد ان جعلها المستعمر الفرنسي قاعدة يتحكم عبرها بكل قبائل الجنوب، والدخول إليها حيث لم يجد قواد الإستعمار من أمثال التهامي الكلاوي بدا من الخضوع لسلطته.
لم ينهزم السلطان الأزرق في معاركه إلا حينما حشد المستعمر لمواجهته الرشاشات والمدافع في الوقت الذي كانت أغلبية جيش الهيبة تحارب بالبنادق فقط. إضافة إلى التشتت الذي طال جنوده. والحصيلة هي أن جيش الهيبة انهزم ليضطر السلطان إلى الاستقرار بمنطقة “كردوس” الجبلية التي بقي بها إلى حين وفاته في 1919 بعد أن تعرض للتسمم.
ظل أحمد الهيبة ماء العينين، حينما بويع سلطانا للجهاد، يمارس نفس طقوس الملوك والسلاطين. لقد كتب المؤرخون عن تلك اللحظة أنه “حينما اجتمع عليه أهل سوس، واكتظت مدينة تزنيت بالحشود من مختلف القبائل فعم خبر بيعته كل المغرب والصحراء وبلاد شنقيط. فتوافدت عليه القبائل من كل حدب وصوب لمبايعته أميرا للجهاد، فما لبث أن صار الهيبة أميرا بكامل مواصفاته”. ويورد المؤرخ علال الركوك أنه كان لا يخرج للصلاة يوم الجمعة إلا إذا أحيط بأصحابه ذهابا وإيابا يقبلونه على كتفه بالتناوب في شكل حلقة يشكلون صفا خلفه، وقد دأبوا على هذه العادة حتى أصبحوا يحملون السلاح ولو إلى المسجد، فيمشون أمامه صفوفا على هيأة مخزنية.
لم يستسلم الهيبة ماء العينين لسلطة المستعمر على الرغم من خسارته في معركة سيدي بوعثمان. بل إنه سقط ميتا على أرض المعركة بعدما دست له القوات الفرنسية سما أرداه جثة جامدة، خاصة إذا علمنا أن الشيخ أحمد الهيبة كان بالدرجة الأولى رجل علم ومعرفة وشعر ولغة، قبل أن يكون رجل مقاومة وبطلا في أرض المعركة الذي خلقته الظروف التاريخية آنذاك. ولا أدل على ذلك من اللقب الذي كان يصفه به والده وهو “دليل الخيرات”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!