الإيقونات التاريخية لأبواب آزمور

2013-09-29T21:24:35+01:00
ثرات أزمورثقافة و فنون
29 سبتمبر 2013آخر تحديث : الأحد 29 سبتمبر 2013 - 9:24 مساءً
الإيقونات التاريخية لأبواب آزمور

DSC03357

يحدد أمبرطو إيكو في كتابه البنية الغائبة مفهوم الثقافة كظاهرة تواصلية و المدلول كوحدة ثقافية تستمد معناها من خلال أنماط  التواصل السلوكية و الرمزية للجماعة.  هذا التقارب بين الثقافة و التواصل سيكون نقطة الإنطلاق لتحليل الحمولة الدلالية لأبواب آزمور المصنوعة على النمط التقليدي و لفهم حمولتها التواصلية.

الأبواب التي  ستكون  موضوعا لهذا المقال هي نماذج للباب الآزموري التقليدي الذي هو عبارة عن باب سميك و متين مصنوع  من خشب العرعار  و مزين بمسامير حديدية تقليدية لها رؤوس دائرية مقعرة ، تنتظم لتشكل قوسا و إطارا مماثلا لشكل الباب  و كأنه نسخة حديدية تشكيلية تبرز ما خفي على مستوى الشكل الخشبي للباب. للباب الأزموري عدة أشكال تشترك في بعض الرموز و تختلف في بعض التفاضيل. 

في النموذج الأول  تظهر ثلاثة إيقونات أساسية :

-شكل يشبه شوكة أو منكاش حديدي له ثلاثة أسنان برؤوس تشبه رؤوس حربة مثبتة على يسار الباب.

– شكل حديدي يشبه نعل حصان ذا شكل دائري يوجد في  الوسط على مستوى الشوكة الحديدية في الأعلى.

– دقاقة تتخذ شكل الأعضاء النتاسلية الذكورية تتوسط الباب تحث نعل الحصان الدئري.

النموذج الثاني –لاتظهر سوى يد مغلقة  في وسط الباب

هاذان النموذجان يكونان نموذجا واحدا يحتفظ من خلال الإيقونات التي يحتويها في واجهته الخارجية  بتاريخ و ثقافة  و معتقدات قديمة جدا يرجع تاريخها  إلى الحضارات الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسط.  يمثل هذا الباب شهادة تاريخية  على التلاقح الثقافي الذي عرفتة بلدان هذه المنطقة  و على عالمية بعض المعتقدات  التي ترمز إليها  هذه الإيقونات المسكوت عنها في الباب الأزموري.

الباب هو المدخل إلى البيت  و هو أول إتصال بالعلم الخارجي و هو وسيلة للتواصل مع هذا العالم  و مع الآخر . تميزت العلاقة مع الآخر عبر التاريخ بالشك و الحذر أو المواجهة المباشرة  أحيانا. تمكنت الحضارة الإنسانية من تنظيم هذه العلاقة مع الآخر عبر سن قوانين  و إقامة مؤسسات متعارف عليها، لكن يبقى الخوف من الآخر و الحذر  حاضرين في ثقافة الشعوب  و المجتمعات رغم تبدل أشكالهما التعبيرية. إحيانا يختفي  هذا الحذر من الآخر وراء رموز و أشكال  تعبيرية كما هو الشأن بالنسبة للإيقونات التي يحتويها الباب الآزموري.

تمكننا الدراسة التاريخية لهذه الإيقونات من معرفة أصلها و من تحديد وظائفها و التغيرات التي حدثت فيها عبر التاريخ. لنبدأ أولا بالدقاقة التي تتوسط الباب و التي يمثل شكلها الأعضاء التناسلية الذكورية . لكن السياق الذي يوجد فيه هذا الشكل يجعلنا نستبعد إرجاع معنى هذا الرمز إلى الخصوبة. إن لهذا الرمز وظيفة حمائية أو وقائية بالنسبة لساكني المنزل ضد العين الشريرة للزوار أو المارين بجوار المنزل.

إن استعمال هذا الرمز الجنسي للحماية من العين الشريرة و لتحقير الأعداء هو سلوك قديم و هو أسلوب بدائي للوقاية أو لدرء الشر. إن هذا التفسير هو ماذهب إليه هبر في أطروحته حول يد فاطمة –لخميسة-  و التي كانت في الأصل، حسب فرضيته، يد لها شكل جنسي و تحولت إلى شكل يد مقبولة إجتماعيا.

إن الأصل الجنسي التحقيري لشكل اليد هو حقيقة تاريخية و الدليل على ذلك هو استعمال الأصبع الأوسط لليد أو الذراع-الكازي- كوسيلة للتحقير في الخصام بين بعص الناس. و لذلك يمكن اعتبار يد فاطمة في المغرب و إيقونة السمكة في تونس أشكال حديثة للشكل الأصلي و ذلك لمحافظتهما على نفس الوظائف.

أما الشوكة المتبثة في الجانب الأيسر من الباب، فهي تؤكد فرضية  الأصل الجنسي التحقيري لشكل يد فاطمة. فالشوكة ذات الأسنان الثلاثة تحيلنا على فكرة استعمال الأصبع الأوسط و المعتقدات المصاحبة لها. أما الشوكة ذات الأسنان الخمسة الموجودة في أبواب أخرى فتحيل إلى يد فاطمة و وظيفتها الحماشية.

قد يكون الأصل البدائي للشوكتين ذا دلالة جنسية تحقيرية ووقائية لكن تواجد هذا الشكل مع لخميسة في نفس الباب يدفعنا للتساؤل حول سبب استمرار هذا الشكل الجنسي في مكان يفترض عدم تواجده. بعبارة أخرى كيف يسمح لهذا الشكل أن يتوسط أبوابا من المفترض أن ساكني المنزل الذي توجد على واجهته مسلمين؟ الغريب في الأمر أن هذا الشكل يتوسط حتى أبواب الزوايا  الدينية –أنظر الصورة 3-.

إن هذه الأسئلة تفتح أمامنا إمكانات جديدة للبحث في ماهية هذا النظام السميولوجي في علاقته بثقافة سكان آزمور و بالمعتقدات الإحيائية التي مازالت تتواجد رغم وجود ديانة توحيدية تهيمن على الزمان و المكان و الوجدان.  من الجدير بالذكر أن هذا النوع من الأبواب يوجد بمدن أخرى عتيقة كسلا و مراكش.

الإيقونات الأخرى تؤكد بدورها التلاقح الثقافي بين دول البحر الأبيض المتوسط. فاليد المغلقة تشبه الدقاقة الإيطالية . هذه اليد المغلقة لها نفس الوظيفة الحمائية للخميسة. أما  نعل الحصان   فهو الأكثر انتشارا و تداولا كممارسة وقائية ضد العين الشريرة.

هكذا نجد أنفسنا أمام أبواب غنية بالرموز و الدلالات تحيلنا إلى معتقدات وثنية أو إحيائية، و تارة إلى رموز معدلة عقائديا و أخلاقيا كما هو الشأن بالنسبة للخميسة أو ذات أصول رومانية. كل هذا الخليط من الرموز و الأصول يوجد اليوم مركزا في تشكيلة فريدة من نوعها على الأبواب التقليدية بمدينة آزمور العتيقة.

تشهد الكثافة الدلالية لهذه الأبواب على تاريخ هذه المدينة وعلى الحضارات التي تواجدت بها أو تفاعلت معها. لكن تواجد رموز بدائية جنبا الى جنب مع رموز ذات أصول دينية يجعلنا نتساءل عن مدلول هذا التشكيل الفريد. هل تعتبر هذه الرموز علامات موجودة بالضرورة في تركيبة وقائية استمر العمل بها لعصور و حافظت على وحدتها الدلالية رغم تغير الأزمنة و العقليات؟ كيف يمكن أن نفسر تواجد رموز ذات حمولة ثقافية وثنية و إحيائية في مجتمع مسلم يحارب هذه المعتقدات؟

كثيرة هي الأسئلة التي تطرح نفسها فاتحة بذلك مجالات أوسع للتفكير و البحث.مانود التأكيد عليه هو الطبيعة التزامنية لهذه الرموز التي تشهد على استمرار تواجد هذه المعتقدات الإحيائية و الوثنية في مجتمع مسلم. من الأكيد أن الناس اعتادوا على تواجد هذه الرموز لدرجة أنهم لا يدركون ما تحتوي عليه من معتقدات ومن الأكيد أن الحداثة و الإصلاح الديني قد غيرا الكثير من معتقدات الناس، لكن الملاحظ ان الناس

مازالوا يمارسون نفس الطقوس الوقائية و إن بأشكال مختلفة قد تكون   ذا ت طابع ديني كقراءة بعض الآيات القرآنية أو ذات طابع إحيائي كوضع شوك الصبار على اسطح المنازل أو في النوافد او في مدخل الدار و ذلك لدرء العين الشريرة.

DSC03355

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!