الهدر المدرسي : فشل مدرسي أو اجتماعي؟

2013-10-02T22:58:27+01:00
تربية و تعليم
2 أكتوبر 2013آخر تحديث : الأربعاء 2 أكتوبر 2013 - 10:58 مساءً
الهدر المدرسي : فشل مدرسي أو اجتماعي؟

لقد أصبحت مسألة الهدر المدرسي إشكالية حقيقية في الواقع التعليمي في المغرب و ذلك بعد أن أدرك الجميع خطورة الظاهرة على المستوى الاجتماعي و السياسي. هل الهدر المدرسي ناتج عن الفشل المدرسي و صعوبة مسايرة بعض التلاميذ للدراسة بسبب الظروف الغير المساعدة أم هو ناتج عن فشل اجتماعي لفئة اجتماعية غير محظوظة؟

إن وضع التساؤل بهذه الصيغة يضعنا أمام إشكالية حقيقية تهم أساسا دور المدرسة و علاقتها بالنظام الاجتماعي و السياسي. لبحث هذه الإشكالية يجب أولا تقديم ملاحظات أولية تضعنا في إطار معرفي و سوسيولوجي يساعدنا على فهمها و محاولة إيجاد حلول مستقبلية لها. الملاحظة الأولى تتمثل في كون الهدر المدرسي يوجد عموما في مناطق مهمشة تسكنها

طبقات اجتماعية غير محظوظة : أحياء شعبية بالمدن و البوادي. نسجل في الملاحظة الثانية كون الهدر المدرسي متزامن للفشل المدرسي و نتيجة له.

من الملاحظ أن المقاربة الرسمية لموضوع الهدر المدرسي تحاول إرجاع سبب هذه الظاهرة إلى عوامل مادية منها مثلا الفقر والصعوبات الجغرافية لذلك ركزت الدولة مجهوداتها على توزيع الكتب و توفير النقل و إعادة تأهيل الداخليات. لكن هذه المقاربة ستبقى محدودة في نتائجها ما لم تأخذ الدولة العامل الثقافي و السوسيولوجي بعين الاعتبار. إن الهدر المدرسي الذي يروح ضحيته تلاميذ و طلبة ينتمون لفئات اجتماعية فقيرة  يحيل أساسا على فوارق اجتماعية و ثقافية بين فئات اجتماعية ليست لها نفس القيم و الثقافة و تستعمل لغتين مختلفتين من حيث البنية و التركيب.

بالرجوع إلى مقاربة عالم اللسانيات الاجتماعية الإنجليزي بازل برنستين فإن الفوارق الاجتماعية لا تتجلى فقط في الفوارق مادية : دخل مادي، مستوى معيشي أو ممتلكات خاصة، ولكنها أيضا فوارق لغوية و ثقافية لها تأثير مباشر على الفشل أو النجاح المدرسي. فالطبقات الاجتماعية الغير المحظوظة [عمال، حرفيين، وغيرهم من ذوي المهن التنفيذية و التي لا تتطلب مستوى معرفي كبير أو مؤهلات خاصة] تستعمل لغة غير متطورة وذات بنية بسيطة، في حين أن الطبقة المتوسطة [أطر عليا ، موظفين و غيرهم ممن يتوفرون على مؤهلات مهنية و ثقافية] تستعمل لغة متطورة من حيث البنية و الحمولة الثقافية. تعتبر لغة المدرسة  امتداد للغة المتطورة التي تستعملها الطبقة المتوسطة و تشكل بذلك عائقا إضافيا للتلاميذ المنتسبين للطبقات المهمشة وتهديدا لتماسك الشخصية لديهم.

انطلاقا من هذا المفهوم الثقافي للفوارق الاجتماعية في علاقتها بالنجاح أو الفشل المدرسي، يمكننا اعتبار المدرسة كمؤسسة منتجة للفوارق الاجتماعية على مستوى التربية و التعليم. فالفشل المدرسي ناتج أساسا عن عدم قدرة بعض التلاميذ على استيعاب اللغة المتطورة المستعملة في التعليم و يعتبر بذلك هذا الفشل  نتيجة لنقص ثقافي بالدرجة الأولى. يصبح الهدر المدرسي بذلك إكراها و اختيارا في نفس الوقت. العديد من الآباء يفضلون أن يغادر أبناءهم المدرسة عندما يلاحظون تدني مستواهم الدراسي المستمر ويدفعونهم إلى اختيار توجه مهني أو حرفي. و قد يحدث أن يكون الهدر المدرسي نتيجة لتدني مستوى التوقعات خصوصا لدى التلاميذ المنتمين للطبقات الغير المحظوظة فيفضلون نتيجة لذلك مغادرة التعليم الثانوي أوالإعدادي و الالتحاق بمدارس التكوين المهني. تدني مستوى التوقعات لدى التلاميذ و الآباء يكرس الفوارق الاجتماعية داخل المدرسة و خارجها ويعمق من النقص لديهم.

تبدو المدرسة كمؤسسة للتنافس و الانتقاء للأفضل لكن واقع الهدر المدرسي يدل على أن الإقصاء يمس أساسا تلاميذ ينتمون لأسر فقيرة و مهمشة اجتماعيا. هذه الحقيقة تحيلنا على سبب جوهري للهدر المدرسي و المتمثل في كون المدرسة المغربية مازالت تمارس الإقصاء تحث ذريعة الانتقاء وتكرس الفوارق الاجتماعية. فالتعليم في المغرب ينقسم إلى مستويين أساسين:

التعليم الأساسي و المهني من جهة و التعليم الثانوي و العالي من جهة أخرى. في المستوى الأول تكون نسب الهدر جد مرتفعة، أما في المستوى الثاني فتقل نسب الهدر لكن الإقصاء يتخذ أشكالا مختلفة. إذا كان المستوى الأول يهدف إلى خلق مهن تنفيذية تكرس المستوى الاجتماعي المتدني للتلاميذ الذين يجدون أنفسهم مرغمين على اختيار مغادرة الدراسة و الاكتفاء بمهن تنفيذية ذات أجور منخفضة، فإن المستوى الثاني يعرف إقصاء من نوع آخر. فحتى حاملي الشهادات العليا يتعرضون لإقصاء منهجي  بحيث أنه يجب عليهم إن يثبتوا انتماءهم للطبقة المهيمنة سياسيا و اجتماعيا [قيم لغوية و ثقافية، رأس مال رمزي و اجتماعي، نوع الشهادة المحصل عليها].

كخلاصة يمكننا التأكيد على دور الانتماء الاجتماعي في الفشل أو النجاح المدرسي و بالتالي دوره في الهدر المدرسي في  كل مراحل التعليم. هذه الحقيقة تدفعنا إلى التساؤل عن جدوى أي مقاربة إصلاحية لواقع الهدر المدرسي تغيب العامل الاجتماعي و الثقافي و تختزل الظاهرة في نقص مادي و جغرافي. نجاح المدرسة في دورها الاجتماعي مرهون بتحقيق عدالة اجتماعية و اعتبار التلميذ و الطالب ثروة بشرية يجب تنميتها بغض النظر عن انتمائهم الثقافي و الاجتماعي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!