ظاهرة الأولياء بمدينة آزمور1/5

2013-10-07T22:41:20+01:00
أزمورمنوعات
7 أكتوبر 2013آخر تحديث : الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 10:41 مساءً
ظاهرة الأولياء بمدينة آزمور1/5

تقديم : ننشر هذه الدراسة في خمسة حلقات، نلقي الضوء من خلالها على ظاهرة الاولياء بمدينة آزمور و علاقتها بالثقافة و السوسيومجال و المعتقدات الاحيائية و الصراع الاجتماعي.

الدين و التدين

هل يمكن للإنسان أن يحيى بدون إلاه؟ هل التدين مكون أساسي في الفطرة الإنسانية؟ ماعلاقة أشكال التدين الموجودة بثقافة الشعوب وتجاربها التاريخية مع التدين كضرورة ؟

“لايوجد مجتمع بدون دين”, و”من لم يعبد الله عبد غيره”، هكذا يؤكد برغسون وقبله ابن تيمية على التدين كضرورة..إن المقدس مكون أساسي لروحانية الشعوب، حتى أشدها إلحادا وبعدا عن الله. إن الدين هو تلك العلاقة الخاصة بين الناس وما يعتقدون أنه معبودهم، أومع  وحدة روحية عليا. إنه اعتقاد في عالم علوي يوجد في استقلال تام عن العالم السفلي المادي – وفي الفلسفة, كل ما يتجاوز حدود التجربة الممكنة و الفكر الإنساني. فهناك إذن تعارض بين التعاليTranscendence والمحايثة immanence  التي تعني البقاء أي التواجد على الأرض.

لكن ما يمكن ملاحظته هو أن المعبود يمكن أن يكون محايثا، أي حاضرا في العالم المادي. فالإنسان عبر تاريخه الطويل خلق رموزا معينة وجعلها تجسيدا لذلك المعنى المتعالي أو المقدس، وجعل من عناصر الطبيعة تجسيدا لذلك المقدس. قد يتجسد المقدس في فضاءات معينة فيصبح جبل ما أو حجر أو أشجار أو عين تجسيدا لقوة غيبية قادرة على التدخل لصالح الإنسان أو ضده. وبنفس المنطق ينقسم الزمان الى مقدس وغير مقدس، فلكل مجتمع إنساني أوقات معينة ومتميزة تعود باستمرار أو يمكن استرجاعها وفق شروط خاصة تحددها معتقدات ذلك المجتمع . والزمان المقدس هو إما  زمان منفلت متعالي مثالي أو زمان يمكن استعادته عن طريق طقوس معينة.

للتدين كذلك بعد اجتماعي. فالدين، اعتقاد وممارسة، يساعد الأفراد على تطوير شعور بالإنتماء للجماعة ويمدهم بالدعم المعنوي ويزيد من التلاحم  والإستقرار الإجتماعي،أو، على العكس من ذلك، يصبح  المحرك الأساسي لحركات الإصلاح والثورات.

فعلاقة الدين بالمكان والزمان والإنسان هي علاقة حدود فاصلة بين المقدس وغير المقدس، بين المشابه والمختلف، حيث يصبح التماثل أو التماهي عنصرا أساسيا في خلق أي تجمع إنساني، فئويا صغيرا أو عاما جامعا لفئات متعددة، وفي تكوين الهويات. بالإضافة الى ذلك فإنه يمكن  تلخيص هذه المقاربة للدين بالتأكيد على أن الدين أو أشكال التدين هي أنظمة مكونة من أربعة عناصر:

1-الإعتقاد: الذي يفسر الحياة ويحدد الأصول.

2-الشريعة : الشرائع التي يجب على الجماعة الخضوع لها لتحقيق أهداف العقيدة

3-الطقوس: الأعمال ذات الطابع الديني التي تطبق أصول الإعتقاد وتحدد الزمان والمكان المقدس، الروحي والمادي على السواء.

4- الجماعة : وهي الجماعة البشرية التي تؤمن بنفس المعتقدات وتمارسها.

إن التدين هو  الطريقة التي نرتب بها المكان والزمان والطقوس التي نمارسها وهو تعبير عن الحدود التي نرسمها لوجودنا ولموقعنا داخل المجتمع. تكون هذه الحدود داخلية نفسية  وذات امتدادات خارجية اجتماعية. فالموقع الذي نحتله داخل جماعة ما هو في نفس الوقت سبب ونتيجة لتلك الحدود النفسية والإجتماعية  التي نتشارك في تبنيها مع فئة اجتماعية  أو مع الجماعة ككل. فمستويات التماهي تختلف حسب طبيعة المعتقد والممارسة  والموقع النفسي والإجتماعي السابق الذكر.

نخلص من هذا التقديم الى أن التدين ضرورة انسانية وأن طبيعة هذا التدين مرتبطة بالطريقة التي يموقع بها الإنسان نفسه  في العالم كمكان وفي التاريخ كزمان ويمارس بها وجوده وفق حدود وشروط نفسية واجتماعية. هذا الفهم للظاهرة الدينية يجعلنا نضع ظاهرة الأولياء في سياق ظاهراتي  نحلل فيه الظاهرة وفق شروط واقعية قابلة للملاحظة ودون الدخول في تفسيرات قيمية أو تبني أحكاما مسبقة تحكم على الظاهرة من موقع متعالي.

 

1-  علاقة الظاهرة بالدين والثقافة

 كمدخل لدراسة هذه العلاقة يجب التفريق بين الدين كعقيدة وشريعة وبين التدين كفهم و تطبيق لهذا الدين. لهذا نجد اختلافات كثيرة في طرق التدين قد تصل الى حد رفض طريقة لأخرى رفضا باتا يصل الى حد التكفير. فهناك الشيعي والسني والإباضي والصوفي، وحتى داخل نفس الاتجاه نجد اختلافات كثيرة في الفقه  والعقيدة، كل يدعي أنه المصيب في اجتهاده وتدينه.

هذه الإختلافات في التدين هي تعبير عن الإختلاف الطبيعي في الإنسان، ,في استعداداته النفسية والفكرية وشروط تواجده في المكان والزمان. ونظرا لتواجد هده   الإختلافات ضمن سياق اجتماعي وتاريخي واحد فإنه من الطبيعي كذلك أن تدخل في صراع معلن أو خفي مع بعضها البعض، و تنتج عن ذلك الصراع السياسي تراتبية  معينة يحددها الطرف الأقوى اجتماعيا وسياسيا، ويصبح تبعا لذللك تدين مقبول ورسمي، وتدينات أخرى غير مدعومة رسميا، تحارب تارة  أو يسكت عنها تارة أخرى.

في هذ الإطار أضع ظاهرة الأولياء باعتبارها فهما مختلفا للدين، للطبيعة ولله، وباعتبارها كذلك تعبيرا عن تدين خاص تحدده شروط نفسية واجتماعية. كما نفهم محاربة الإسلام السني لهذه الظاهرة في إطار الصراع الإجتماعي العام داخل المجتمع  ومحاولات السيطرة لتدين رسمي على باقي التدينات. هذا الصراع لا يتخد شكل المواجهة الإجتماعية المباشرة بل يتم داخل نقاش عقدي يضع خطا فاصلا بين الإيمان الصحيح والكفر، حدود تستخدم آلية التكفير الديني كغطاء للإقصاء الإجتماعي والسياسي ولتكريس هيمنة فهم وحيد للدين.

إن انتشار ظاهرة الأولياء بالمغرب وكثافتها ببعض المناطق يجعلنا نتسائل عن الأ سباب  التي ساهمت في تكون هذه الظاهره بصفة عامة قبل التطرق الى دراسة خصوصياتها بمدينة آزمور:

أ-التصوف الطرقي: الذي اعتبره من بين الأسباب الموضوعية التي ساهمت في بروز هذه الظاهرة وتطورها، لأن مقولاته الأساسية تتأسس على  فكرة الإختياروالإصطفاء الإلاهي ورفع الحجاب والكرامات والبركة وغيرها، وهي مقولات توحي للإنسان العادي الأمي بأن هؤلاء المتصوفة أكثر قربا من الله وأن الله يستجيب لدعائهم وبالتالي فإنهم قادرين على التوسط بين الناس والله. .إن هذا الإعتقاد، بغض النظر عن صحته أو خطئه، هو نتيجة لخلط واضح بين معايير دنيوية تعتبر التوسط بين الناس مقبولا وايجابيا ومعايير دينية تعتبر التوسط والتواكل قيما سلبية ومرفوضة. فالأمية وضعف الثقافة الدينية ساهموا في تطبيع هذا الإعتقاد مع مرور الوقت وأصبح امتياز التوسط عند الله لكل انسان يتميز عن العامة بنسبه الى الرسول –ص- أو بسلوكه الدنيوي والتعبدي أو بالكرامات التي تحكى عنه أو بجهاده ودفاعه عن الناس والدين أو لعلاقة متميزة مع أحد عناصر الطبيعة أوبالإسقاط والخيال وخصوصا بعد وفاتهم ومرور الوقت واكتناف الغموض لسير حياتهم.

ب-العامل النفسي: إذا كان الدين ضروري بالفطرة فإن أشكال التدين تتكون تبعا لفهم الإنسان لعلاقته بالعالم الخارجي الطبيعي ومافوق طبيعي. الإنسان يحتاح لإستقراره النفسي الى مركز قار يرجع اليه وقت الأزمات أو نقطة ثابتة في هذا الكون يتجه اليها ويموقع بها نفسه في المكان والزمان. تحدد الديانات التوحيدية هذه النقطة الثابتة في الله، لكن أشكال التدين داخل هذه الديانات قد تختلف في تصورها لله ولطبيعة العلاقة التي تربطنا به. فالإنسان العادي الأمي يخلط بين نظامين مختلفين في التعامل ورغم اعترافه بوجود الله فإنه يلجأ الى وسطاء لإعتقاده في تميزهم وحسن مقامهم عند الله  بالإضافة الى ذلك فإنه يلجأ، لضعف قدرته على التجريد، الى وسطاء ماديين كالإنسان و عناصرالطبيعة.

ج-العامل الإجتماعي : إن الشروط النفسية السابقة الذكر تساهم في تكون رغبة على مستوى الجماعة في خلق رمز أو أسطورة تتميز بها عن باقي الجماعات وتكون مصدر فخر وعامل وحدة لعناصر الجماعة، تقوي شعورهم بالإنتماء وتساعدهم على تكوين هوية متميزة. قد يكون هذا الرمز شخصية تاريخية معروفة كأبي شعيب السارية ومولاي عبد الله أمغار أو شخصية غير معروفة أو خيالية، لأن عملية التقديس هي في الأصل غير خاضعة لسلطة مركزية دينية كانت أو دنيوية بل هي نتاج خيال شعبي تبقى قيه الحقيقة التاريخية ثانوية. إذن تصبح قيمة القبيلة أو الجماعة مرتبطة في العرف الشعبي بالولاء الذي يربطها بولي من الأولياء و بقيمة هذا الولي بين الأولياء، وهي قيمة تقاس كميا بعدد الزوار ونوعيا بسمعة الولي تاريخيا أو بالوظيفة التي يقوم بها بعد مماته. فلامجال مثلا لمقارنة ولي مشهور كمولاي بوشعيب بولي آخر غير معروف كسيدي المخفي او سيدي بنور بالمدينة القديمة. فللأول حفظة يقومون على تنظيم الزيارات وتسيير شؤونه المادية والطقوسية ويقوم هؤلاء الحفظة باحتكار هذا الحق ومحاربة كل من ينازعهم فيه.

د-العامل السياسي-الإقتصادي: إذا كان لكل جماعة رموزا وأساطير تحتمي بها وترجع إليها في تكوين هويتها وموقعها بين باقي الجماعات، فإن الإنتماء أو إدعاء الإنتماء الى ولي من الأولياء بالنسب أو بالخدمة أو بالصحبة يعطي لتلك الجماعة سلطة معنوية تستغلها سياسيا لطلب تنازلات ضريبية من قبل السلطان وهو ماحدث فعلا الى حدود منتصف القرن الماضي، حيث استفادت جماعة سيدي حموعلى تخوم آزمور من اعفاءات ضريبية بموجب ظهير ملكي على اعتبار أنهم شرفاء أدارسة. كما يستفيد جميع حفظة الأولياء المشهورين كمولاي بوشعيب من ظواهر تعترف بحقهم على الإشراف على مؤسسة الحفاظة والإستفادة من مداخيله. والغريب في الأمر أن للاعائشة بحرية أو للا يطو لا تتوفر على مؤسسة قارة من الحفظة ولا على انتماءات معلنة من بعض القبائل لهم،  ربما تكون لذلك علاقة بأصل للا عائشة العراقي-من بغداد- أو لطبيعة الطقوس التي تمارس هناك أو لأن الولاء يكون أقوى عند ما يكون لرجل.

 إن ظاهرة الأولياء بأزمور هي تعبير حقيقي عن نوع من التدين والثقافة ساد لعصور ومازال يتواجد داخل فئات معينة من المجتمع ومازال يؤثر ولو بشكل نسبي في حياة الناس. .إن انتشار هذا النوع من الفهم للدين ولعلاقة الإنسان بالطبيعة ساهم في تكوين ثقافة شعبية لها مؤسساتها التي تحميها وتستفيد منها ماديا واجتماعيا وسياسيا وإن بدرجات أقل مما كان عليه الأمر في الماضي

يتبع

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!