بوشعيب هبولي الآزمــــــــــــوري، فنان تشكيلي مغربي من عيار نادر

27 أكتوبر 2014آخر تحديث : الإثنين 27 أكتوبر 2014 - 10:36 مساءً
بوشعيب هبولي الآزمــــــــــــوري، فنان تشكيلي مغربي من عيار نادر


بوشعيب هبولي الآزموري، أستاذ فنان تشكيلي مغربي من عيار نادر، و في حياته الفنية كما حياته الشخصية الكثير من العلامات و من الألغاز، عاش في مدينة أزمور حيث ولد، و حيث يوجد حي كامل يحمل اسم العائلة “درب الهبولي”، لا يتذكر من ملامح الأم أي شيء، والده الذي كان يشتغل في قطاع البناء، لم ينجب غيره، لذلك كتب على الطفل أن يرافق الوالد و أن يعيش تحت سطوة الأب، في بداية السبعينات، سيحدد بوشعيب الهبولي مصير حياته بعد وفاة والده، حيث سيقدم استقالته من مهنة التعليم، و سيتفرغ للفن وللحياة، قبل أن يغادر أزمور ويهيم في الرباط مدة 15 سنة، ليعود إلى المدينة الأم شخصاً آخر، ناضجاً و مستوعباً للكثير من تجارب الحياة و فناناً أصيلا، نلف معه في هذا الحديث، ذلك المسار الطويل من حياة إنسان و فنان و زمن مغربي.

أنت معروف بنقدك الشديد للفنانين التشكيليين المغاربة الذين يشتغلون مع المراكز الثقافية الأجنبية، لماذا هذا الهجوم عليهم؟

– هم مغاربة، ولكنهم يحبون الحديث بالفرنسية، والغريب في الأمر هو أن أغلبيتهم ينحدر من عائلات فقيرة جداً، أنا لا أنتقدهم، ولكن في وقت من الأوقات اصطادتهم المؤسسات الأجنبية بالمنح والأسفار والمعارض، وأصبحوا يتكلمون لغتهم، ويسدون خدمات لهذه التمثيليات الأجنبية.

ما نوع هذه الخدمات؟

– أقصد بالخدمات، الوفاء للنهج الذي تتبعه تلك البعثات على مستوى اللغة واللباس وطريقة العرض، أصبحوا يتقمصون الدور نفسه، وكأنهم أجانب.. هذا النهج الغربي هو الذي يهيمن على الفنون التشكيلية في المغرب، حتى أصبح من يتكلم اللغة العربية مجرد متخلف لا مكان له، كما أن أغلبية برامج هذه البعثات وأنشطتها تتم باللغة الفرنسية، وهنا أسأل: لمن تتوجه هذه المجموعات، إذا كانت تخاطب المغاربة، فإن لغة الخطاب هي اللغة العربية.

هذه من التابوهات التي بدأنا نعيشها في المغرب حيث بدأ يُسجل رجوع قوي للغة الأجنبي، ولو كان هؤلاء الناس يحملون هماً ثقافياً لما وصلوا إلى إهانة خصوصياتهم الثقافية الوطنية.

لكن، هؤلاء الذين تهاجمهم، هم نخبة الفنانين المغاربة؟

– بالفعل، لأنهم مدعومون، فهم من يسافر، ومن يمثل المغرب في الخارج، ومن يعرض في المعارض، هذه أمور معروفة، لكن يجب ألا تستمر الأمور على هذا النحو، أما أنا بوشعيب هبولي، فليس لدي أي مشكل، لا يهمني أن أكون في المزاد العلني أو ألا أكون، أو أعرض هنا أو هناك، أو ألا أشارك في الأسابيع الثقافية، فلم يعد الأمر يهمني، بل ما يهمني هو أني أمارس يوميا في محترفي، وأعيش من فني.

أدوار أخرى

كيف ترى الدور الاجتماعي للفنان التشكيلي؟

– هناك طرق عديدة، اليوم عندنا في المغرب، فنانون يبيعون أعمالهم في المزادات بأرقام فلكية، يمكن لهؤلاء أن يسهموا في العمل الاجتماعي، لأنهم فنانون أثرياء، كما يمكن أن يجتمع التشكيليون في المغرب، ويتبرع كل واحد بلوحة، وينظموا معرضا جماعيا أو مزادا علنيا تحول فيه المبالغ المتحصل عليها إلى صندوق اجتماعي للتضامن. هذا هو العمل المباشر والصريح الذي يمكن من بلوغ أهداف تضامن اجتماعي معقول.

لكن ما دور الجمعية المغربية للفنون التشكيلية؟

– هذه مجرد جمعية تجمع الفنانين التشكيليين، أما الدور الاجتماعي الذي يمكن أن تقوم به، فهو ومحدود بحكم طبيعتها، لكن يجب أن نفكر في إطار عام له مضمون اجتماعي كبير.

يجب أن يحصل وعي عند جميع الفنانين بأهمية العمل الاجتماعي، أما أن نبيع لوحاتنا ونحول مبالغها إلى أرصدتنا، فإنه كما يقول المغاربة “ما ياكل وحدو ع الطبل”، ومن لم يصل إلى هذا الإحساس سيكون مجرد أناني كبير لا علاقة له بالفن.

بعدما عدت إلى أزمور، بدأت في تنظيم نفسك والاعتياد على حياة جديدة ؟

– كنت قد تفرغت نهائيا للفن، وكنت أعيش نموذج الفنان المحترف المطلوب منه أن يربط علاقات واتصالات، وأن يفعل كل شيء بنفسه، وحين أكون بصدد تنظيم معرض أكون قد خططت لكل شيء، بدأت أقيم معارض موضوعاتية، أخضع من خلالها الأعمال التي أشارك بها في المعرض إلى اختيار صارم.

هل كنت تستدعي فنانين للاطلاع على تجربتك قبل العرض؟

– كنت أفعل ذلك أحياناً، لكن أعتقد أن هذا الفن لا يزال هشاً وغير صريح وضعيفاً جداً على مستوى إبداء الآراء والتقييمات والمتابعة النقدية. ما يسود في الساحة الفنية هو المجاملات والكلام العام، ولذلك أميز مع من أستشير، فأنا أعرف الوسط التشكيلي جيداً، كما أني أعرف أين أعرض، هل في قاعة خصوصية أو في قاعة عامة.

كيف تتعامل القاعات الخصوصية مع معارضك؟

– بالنسبة للقاعات الخصوصية، فإنها تقوم بخصم نسبة مئوية من مبيعات الأعمال. وتبدأ النسبة من ثلاثين في المائة إلى أربعين في المائة، والقاعة هي من يتكلف بالبيع والترويج وجلب الزبائن.

كيف تحدد القيمة المادية لأعمالك؟

– أحددها بناء على القيمة الفنية للعمل، وبالتالي أنا الوحيد الذي بإمكانه أن يحدد ثمن اللوحة، لأني أعرف بالفعل قيمتها الفنية، من حيث المواد ومن حيث تكلفتها، والاجتهادات التي تنجزها من عمل إلى آخر، فقيمة العمل تكون من خلال المخزون المعرفي ومن خلال التقنية المستعلمة.

حين تكون في المرسم، هل تشتغل في عمل واحد أم في مجموعة أعمال دفعة واحدة؟

– أشتغل في عمل واحد فقط، وطيلة الفترات التي أشتغل فيها أراقب العمل وأعيد النظر في تطوره وإنجازه، وأحيانا يتحول هذا العمل إلى مجرد أرشيف، أي يصبح مثل المخطوط، ويتحول إلى مرجع للفنان، من حيث المواد وطبيعة تنفيذ العمل.

هل تشتغل على القماش؟

– أشتغل على الورق مباشرة، لا أحب العمل على القماش، لأنه لا يستجيب للأفكار التي أسعى الى تنفيذها، واللوحة عندي تمر بتمارين متعددة، حتى تستقر على الصيغة النهائية.

هل تعتقد أن سوق الفن التشكيلي رائج الآن في المغرب؟

– اليوم، أصبح سوق الفن التشكيلي في المغرب رائجا، وحتى الذين لم يكونوا يبيعون في السابق، أصبح وضعهم الآن أفضل.

تحب الرسم على الورق، كيف تفسر ذلك؟

– يتعلق الأمر عندي باختيار تقني وجمالي، فالعمل على الورق يمكنني من إنجاز تمارين وبروفات، حتى الوصول إلى الصيغة النهائية، إنه يجعلني قادرا على مراقبة صيرورة العمل الفني واكتماله، القماش لا يوفر لي هذا الامتياز، ففي المعاودة يكمن التنويع والإبداع.

كم يستغرق منك العمل الواحد؟

– أحياناً أعمل مدة أربعة أشهر على العمل الواحد، وربما يتطلب ذلك أكثر من هذا الوقت، فإنجاز الفكرة وتحويلها يحتاج إلى وقت طويل.

جربت، أيضاً، جميع المواد والخامات؟

– تعاملت مع جميع المواد، وجربت مواد أخرى كانت من ابتكاري، وقد وصلت إلى القناعة التالية، وهي أن كل مادة صباغية قابلة للاستعمال، يستغرق الحال وقتا أطول من أجل تطويع هذه المواد الصباغية، وفي أحيان أمزج مواد مختلفة وصباغات زيتية ومائية.

في أعمالك تغيرت الرموز من الوجوه إلى الطيور، كيف دشنت هذا العبور؟

– بالنسبة للمرحلة الأخيرة التي أعمل عليها الآن وهي مرحلة الطائر، والتي نفذتها في معرضي أو مشروعي الأخير “الحدائق” هي جزء من مسلسل تطوري، فحضور الطائر في لوحتي ليس جديدا، ذلك أنه كان يحضر في الفترات السابقة مصحوبا بأجساد بشرية، طائر معتقل، يدل على الوضع الإنساني العام، قد يكون يدل على الوضع الحقوقي في المغرب أو يشير إلى الحالة الفلسطينية أو غيرها من القضايا الإنسانية، وقد حضر الطائر بهذه الصيغة في أعمالي لأكثر من 30 سنة.

في المشروع الأخير، الذي أعمل فيه، وهو متصل بمشروع أحد الأصدقاء الذي ينظم احتفالية سنوية خاصة بالحدائق والبستنة في مراكش، دعاني هذا الصديق للعمل في مشروعه، وحينها عدت بذاكرتي الفنية قلت لماذا لا أعيد الاشتغال على طائري القديم، ولكن بتمثلات جديدة، طائر مزركش وجميل، لكن المعرض الذي أشتغل عليه الآن، سيكون معرضاً عن الطبيعة، ليس بمعنى بقع ملونة أو وديان أو بطاح، ولكن سيتضمن أشكالاً هي عبارة عن تلال صغيرة ومرتفعات، وقد سميت هذا المعرض “أعالي”.

لماذا تختار أسماء شعرية لمعارضك؟

– لا أختار أسماء شعرية لمعارضي، ولكن إحالاتها قد تكون كذلك، من أسماء معارضي يمكن أن أذكر بصمات، ووجوهاً وملامح وأعالي، ولذلك لا يتعلق الأمر بأسماء شعرية، بقدر ما يتعلق بالموضوعات التي اشتغل عليها الكلاسيكيون، من قبيل العمل على الوجوه، كان الكلاسيكيون يشتغلون على الوجوه بالاعتماد على الموديل، بالنسبة لي أشتغل على وجوه متخيلة، ولا أعتمد على الموديل، بل أشتغل على نماذج عدة.

ما يميز تجربتي في الوجوه وفي الملامح بعد ذلك، هو أنها مستوحاة من الحالات الميؤوس منها لوجوه الناس التي نصادفها في الشارع، وجوه عابسة ومتجهمة وحادة ولا تبشر بالخير، مع العلم أن اقتناء مثل هذه الأعمال صعب للغاية، لذلك أعتبر أن الفن مغامرة.

هل الشيء نفسه ينطبق على عملك على الطبيعة؟

– في عملي على “الباييزاج” أو المنظر، عملت على الطبيعة بشكل آخر، وهي طبيعة مغايرة للشكل المعروف عند الكلاسيكيين.

هل لوحتك لوحة قابلة للتعليق؟

– في ذهني دائما أن اللوحة التي أنجزها تنتمي إلى اللوحة الثقافية، وبالتالي فمستقبل أعمالي هو أن تستقر في يوم ما في متحف وطني أو في مؤسسة ثقافية، لأن لوحتي لا علاقة لها بالتجميل ولا بالأثاث، لكونها تختصر مجهودا كبيرا في البحث والدراسة، بالإمكان أن تكون لوحتي لوحة تعليق في صالون مقتن يعرف كيف يقتني أعماله وقيمة ما يقتني.

وكيف ترى دور الإعلام في المسألة الفنية؟

– هذا دور خطير، فكما هي الحال بالنسبة للمقتنين، هناك أيضاً دور سلبي للإعلام في مواكبة المشهد التشكيلي العام، وفي متابعة حقيقية للحركة التشكيلية ولتوجهاتها، وبالتالي يتحول الموضوع كله إلى علاقات شخصية وإلى انحياز لهذا التوجه أو ذاك بحكم علاقات الصداقة أو المنفعة، ويكون التشكيل المغربي هو الخاسر الأكبر.

تقيم معرضاً كل ثلاث سنوات، أليست هذه مدة طويلة بالنسبة لفنان محترف؟

– لا أعتقد ذلك، على الفنان المحترف أن يمنح نفسه فرصة زمنية أكبر، فالتهافت على المعرض لا يمكن أن يطور التجارب، ولا يمكن أن يساعد في تأمل التجارب، فأنا مثلا لم أقم معرضاً فردياً لي منذ سنة ،2003 وهي فترة زمنية قد تبدو للبعض طويلة، ولكني أعتبرها فترة مناسبة، وسيكون معرضي المقبل في السنة الحالية.

ألا يعود ذلك إلى أن زبائنك لا يتركونك تجمع قدرا معينا من الأعمال لإقامة معرض؟

– صحيح أن المقتنين لا يتركون لي الفرصة كي أقيم معرضاً، ولكن الأمر في نهايته لا يقف عند هذه الحدود، فمثلا إذا كانت التجربة ناضجة يمكن أن تقدمها في معرض ولو بعدد محدود من اللوحات، لا يكون في هذه الحالة عدد كبير من اللوحات شرطا لإقامة معرض، عمق التجربة ونضجها هو المحدد، وليس الكم.

تعرف مدينة أزمور بكونها مدينة التشكيليين، من أين أتى للمدينة هذا الطابع؟

– أنت تعرف أن كل المدن الصغيرة، هي مدن تعيش حرماناً وتهميشاً سواء على مستوى التعليم أو على المستوى الاقتصادي أو الرياضي أو الفني أو الثقافي، وهذا الحرمان في مثل هذه المدن هو الذي يربي الحافز في الشباب لممارسة أنشطة إبداعية وفنية وثقافية، مما يؤدي إلى نشوء نخبة ثقافية في المدينة، وحال أزمور ينطبق على كل المدن الشبيهة، حيث ظهرت بوادر ممارسة لكنها لم تستمر ولم تتطور لغياب البنيات التحتية وأماكن العرض، أما في ما يخص التشكيل فإنه ارتبط بعدد من الوجوه، الذين كانوا يزاوجون بين تدريس الفنون التشكيلية وبين الرسم، وهذا لا يعني أن المدينة قد عرفت بإشعاعها التشكيلي. هذا غير صحيح، أعتبر أن المدينة التي تعرف تقاليد تشكيلية هي مدينة تطوان، في شمال المغرب، حيث يدخل الفن التشكيلي ضمن نسيجها الثقافي والاجتماعي، ولا توجد مدينة في المغرب شبيهة بهذه المدينة، وقد ارتبط التشكيل بها نظراً لكون أغلبية قاطنيها من الإسبان في فترة الاستعمار الاسباني، لم يكن الإسبان يقيمون في أحياء خاصة بهم، بل كانوا يسكنون مع المغاربة في جميع أحياء المدينة، ما أسهم في إيجاد نوع من الإدماج، وفي التأثر بمختلف الأنشطة الثقافية والفنية التي كانت تدور في المدينة.

وبالتالي أقول إن تطوان هي المدينة الوحيدة التي يمكن أن نسميها مدينة الفنانين التشكيليين، أما المدن الأخرى مثل الصويرة أو أصيلة أو أزمور، فهي لا تعدو أن تكون مجرد مكان يقيم فيه فنانون تشكيليون، وبالتالي لا نجد تلك الحساسية الفنية التي تسم فناني هذه المدن.

لا أستطيع القول إن أزمور مدينة التشكيليين، وإنما هي مدينة صغيرة أنتجت “شلة” من الفنانين التشكيليين درسوا في مدارس الفنون، وهم الآن يشتغلون في التدريس ويمارسون التشكيل زيادة على أساتذة آخرين من مدن أخرى يدرسون الفنون التشكيلية في المدينة ويمارسون التشكيل أيضاً.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!