ظاهرة الاولياء بمدينة آزمور 4/5: نوعية الطقوس وعلاقتها بالسوسيو مجال

2013-10-13T09:51:04+01:00
ثرات أزمورثقافة و فنون
12 أكتوبر 2013آخر تحديث : الأحد 13 أكتوبر 2013 - 9:51 صباحًا
ظاهرة الاولياء بمدينة آزمور 4/5: نوعية الطقوس وعلاقتها بالسوسيو مجال

 

 

4-نوعية الطقوس وعلاقتها بالسوسيو مجال

الطقوس كفعل اجتماعي وثقافي لها بنية ووظيفة ترتبط طبيعتهما بالمجال الذي تتم فيه.يمكن تقسيم هذه الطقوس الى :

1- طقوس مقبولة دينيا: هي طقوس الزيارة “الشرعية” التي تشترط الاعتراف بإنسانية الولي وموته الفعلي والأمر بالدعاء له. وهذا النوع من الزيارة قليل وليست له شعبية.  وهناك من علماء السلفية من يدخل زيارة الأضرحة في باب البدعة .

2- طقوس مسكوت عنها دينيا: خصوصا من طرف الدين الرسمي المدعوم من طرف الدولة كإقامة احتفالات ليلة القدر ببعض الأضرحة بآزمور كسيدي وعدود أو إقامة مواسم صغيرة داخل أو في محيط بعض الأضرحة كمولاي بوشعيب وسيدي قاسم وسيد المكي الشرقاوي بالمدينة القديمة، بالإضافة الى تلك الخرجات التي تقوم بها فرق حمادشة وعيساوة من زواياها والتجول داخل المدينة القديمة بمناسبة عيد المولد النبوي.

3-طقوس مرفوضة من طرف الاتجاهات السلفية: لكنها  تبقى مسكوت عنها من طرف السلطة السياسية ومقبولة اجتماعيا أو على الأقل لا تحارب بطرق فعلية. وهي تلك الطقوس التي تتم بهدف تحقيق نفع صحي أو اجتماعي مقبول من طرف الرجل والمرأة على السواء كالقضاء على العقم أو تسهيل زواج البنت أو الشفاء من مرض ما.

4-طقوس مرفوضة دينيا واجتماعيا وخصوصا تلك التي لها علاقة بالسحر.

 الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها عن علاقة الظاهرة يالسوسيو مجال هو كثرة الأضرحة وهذا راجع  الى عوامل تاريخية وجغرافية منها  انتشار زوايا التصوف الطرقي ورباطات الجهاد الحربي ضد الأجانب والمذهبي ضد المبتدعة وتواجد شخصيات صوفية وتاريخية مشهورة كمولاي بوشعيب بالإضافة الى موقع آزمور الجغرافي التي يغري بالاستقرار.

هذه العلاقة لها جدور تاريخية لكن مايهمنا في إطار المقاربة الخاصة بهذا البحث هو دراسة هذه العلاقة في بعدها الحاضر حيث نلاحظ توزيعا دالا للأضرحة. فمولاي بوشعيب يوجد في ربوة عالية وبارزة تشرف على المدينة كلها التي تحمل اسمه وتتشرف باحتضان قبره.  يوجد بجانب الضريح مقبرة المدينة التي جعلت منه مركزا يتجمع حوله الأموات كذلك ولهذا دلالة في الثقافة الشعبية حيث يوصي بعض الناس بدفن جثتهم وسط ضريح أو بالقرب منه.

نظرا لتميز الزيارة الى مولاي بوشعيب من الناحية الكمية وكذلك النوعية فقد انتشر حول الضريح نشاط اقتصادي يشمل التجارة المرتبطة بهذا النوع من السياحة “الدينية” كمحلات بيع التمر والحناء والشمع وبعض الأواني والديكورات المصنوعة من الفخار. كما يشمل نشاط فندقي غير مهيكل يستفيد منه السكان المجاورين للضريح.

  بالنسبة لعلاقة سكان المدينة بهذا الضريح، فلم يعد يزوره إلا النساء إما بهدف محدد أو بدون هدف، كمكان للاستراحة  و لالتقاء النساء في فضاء غير خاضع لمعايير الثقافة الرسمية و خارج سلطة الرجل. بالنسبة لباقي السكان فإن مولاي بوشعيب يقع خارج اهتمامهم ويبقى مجرد رمز تاريخي يوظف في خطابات سياسية أوثقافية .

بالنسبة لباقي الأضرحة التي توجد داخل مدينة آزمورفإنها تنتشر بطريقة يمكن تفسيرها بمعطيات تاريخية تتعلق بحياة  المرابطين والأولياء الذين دفنوا بها، لكن ما يهمنا هو احتفاظ هذه الأماكن بتواجدها  رغم أن معظمها مهجور أو مقفل، في إشارة دالة على تقلص دورها في حياة الناس الى مجرد آثار لثقافة انتهى دورها ولم تعد قادرة على تقديم حلول لمشاكل أصبح اليوم حلها بيد مؤسسات أخرى أكثر تنظيما وعقلانية.

لعل ما يثير الدارس لعلاقة الظاهرة بالسوسيو مجال هو تواجد بعض الأضرحة والطقوس دون غيرها  خارج المدينة كضريح للا عائشة البحرية وللايطو وحجرة بيبور. .إن وجود هذه الفضاءات على هامش المدينة يحمل دلالات على موقعها في الثقافة الشعبية وعلاقتها بباقي الأنظمة الرمزية التي تكون المجتمع وبالسلط التي تتصارع حولها.

إن الوظائف التي اسندها الناس لهذه الفضاءات هي في علاقة ضرورية وجدلية مع البنية الاجتماعية للمجتمع التقليدي الذي لم يكن وليس بإمكانه منع الزيارات والطقوس التي تمارس داخل هذه الفضاءات لارتباطها بمفاهيم دينية وذاكرة تاريخية. فكان على الأقل بإمكانه دفع الممارسات التي فيها حرج أو تناف صريح مع الدين الرسمي الى خارج المركز. إن اختيار النساء لهذه الفضاءات لممارسات نسبيا مرفوضة دينيا أو اجتماعيا هو ناتج عن استبطان هذه الفئة للحرج أو المنع الذي يطال هذه الممارسات من طرف السلطة الاجتماعية الذكورية المهيمنة التي لا ترى في هذه الممارسات سوى انحراف عن العرف والدين وليست كأعراض  لظلم اجتماعي يطال المرأة في غياب أي مؤسسات تدافع عن حقوقها .

توجد للاعائشة البحرية على مصب أم الربيع  الذي يبعد عن المدينة بحوالي أربع كيلومترات في مكان خال على حافة الغابة. قد يكون الدافع للزيارة هو دفع “لعكس” للحصول على زوج أو عمل لكن ما يمكن ملاحظته هو التحول الذي بدأ يطرأ على الممارسات داخل فضاء الضريح فأصبح عدد الذين يمارسون تلك الطقوس يتقلص وأصبح البعد الاجتماعي أكثر حضورا حيث يقوم الناس بالتعارف والاستجمام والأكل وقضاء وقت ممتع على الشاطئ. يرجع هذا الأمر إلى ارتفاع نسبة الوعي لدى الفتيات وإدراكهن للأسباب الدنيوية المادية لعدم الزواج   كقلة الاختلاط بالناس وعدم التنقل وتغيير السياقات الاجتماعية للتعارف وغيرها من الأسباب المرتبطة بذلك.

إن للتغير الثقافي وتغير البنية الاجتماعية أثر في الوظيفة التي اسندت قديما لهذا الفضاء وأصبح الطابع الدنيوي  المحايث هو الغالب على الممارسات والطقوس وأصبحت الطقوس مجرد غطاء أو مبرر للزيارة بالنسبة لأكثرية الوافدين على المكان.

بالنسبة لللايطو فهي أكثر بعدا عن الأنظار وراء الغابة ووسط الحقول بجانب مقبرة قديمة. لاحظت من خلال زيارتي لهذا المكان أن الرجل غير مرغوب فيه في هذا المكان فهو فضاء خاص للنساء فقط كما أن التصوير ممنوع. كان خطاب المرأة المحافظة على المكان خطابا اجتماعيا تبريريا من الدرجة الأولى، فالنساء اللواتي تأتين لهذا المكان  تعرضن معظمهن لظلم الرجل أو لهجره ونظرا لطول المسطرة القانونية ولقلة القوانين التي تحمي المرأة من هذا الظلم فإن محكمة للا يطو أسرع وأحسن ما يوجد على أرض الواقع.

لم يكن بالمكان أي امرأة  لكن عند مغادرتنا وجدنا ثلاثة نساء بالطريق قادمات للزيارة تتوسطهن امرأة أصغر سنا تضع لثاما على وجهها بهدف إخفاء هويتها، وعلى ما يبدو فهي المرأة المتضررة والمعنية بهذه الزيارة.

إن البعد المكاني عن المدينة والحرج الواضح على الزائرات ووجود خطاب تبريري جد متطور  يدل على علاقة جد متميزة لهذا المكان بالمجتمع الذي يرفض هذا النوع من الممارسات ويحاربها بخطاب مضاد يحقر المرأة التي تلجأ إلى هذه الممارسات ويلوث سمعتها لكنه لا يتخذ أي خطوات فعلية لإزالتها، ربما لأن السلطة السياسية لا تريد ذلك وتعتبره كمتنفس لفئة اجتماعية عير مسيسة أو ربما بسبب  تعاطف خفي للرجل مع المرأة الأم أو الأخت أو البنت .

نفس الشيء ينطبق على حجرة بيبور من حيث البعد المكاني لكن الطقوس التي تمارس بهذا المكان يشترك فيها الرجل والمرأة  وهي طقوس تهدف إلى إبطال مفعول السحر، الأمر الذي يجعل من سمعة المكان أقل سوءا من للايطو.

   إن علاقة الطقوس الخاصة بهذه الظاهرة  بالسوسيو مجال لها دلالات متعددة تخص بالأساس تلك العلاقة الجدلية بين البنيات الاجتماعية والثقافية، فوضعية المرأة في مجتمع ديني تقليدي  تغلب عليه القيم الذكورية وانتشار الأمية والفكر الغيبي الممزوج ببعض المعتقدات الدينية وغياب التفكير العلمي والعقلاني وغياب مؤسسات اجتماعية تضمن الحقوق للجميع  ساهمت بشكل كبير في تطور هذه الطقوس، باعتبارها ثقافة ونموذج تواصلي داخل المجتمع،, وفي تنظيمها وتراتبيتها داخل الفضاء الاجتماعي العام. بناءا على حتمية هذه العلاقة بين البنية والوظيفة  نؤكد على أن الوظائف التي تلعبها الأضرحة في حياة الناس ستتغير مع تغير البنيات التي تدعمها، فانتشار العقلانية وانتشار حركات الإصلاح الديني وتكون المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تضمن للمرأة حقوقها في العمل والعدل والمساواة مع الرجل سيغير حتما من وظائف الأضرحة التي ستتكيف مع الطبيعة الجديدة للسوسيو مجال وقد تتحول الى مجرد أماكن للسياحة  أو للذكرى وقد لاتحتاج المرأة الى للايطو للحصول على حقوقها ولا على مولاي بوشعيب للحصول على الولد .

 يتبع

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!