رسالة يهودية : الدعوة إلى الدارجة

2014-01-03T10:14:20+00:00
وطنية
2 يناير 2014آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2014 - 10:14 صباحًا
رسالة يهودية : الدعوة إلى الدارجة


 

 

((سمعتي يا خاه دي مولاي، واحد النهار، ربعة ديال النصارى، حافو على بيت المال دالمليك، مولاي سماعيل، باش يسرقوه، و قبضوهم اللاغذا، حب المليك يتفرج عليهم، ويعطيهم للسبوعا ياكلوهم، و طلع المليك فوق الصور باش يتفرج عليهم، وهبطوا النصارا بربعة لعند السبوعا، ولا كلاوهوم شي، وكان واحد النصراني هدر مع واحد السبع، بالعجمية قالو نقز فوق الصور، و طيح المليك و كولو)) (كتاب التواريخ اليهودية. تأليف بن دنان).

و هو نموذج من الأدب اليهودي المغربي المكتوب، بلهجة الدارجة، التي كان المرحوم علال الفاسي في كتابه “رأي مواطن” يسميها اللغة “الزنقاوية”، و التي تنطلق من الرفض اليهودي المتأصل، للغة العربية، و تطابق هذا الرفض، مع البروتوكولات التي تكاد تكون دستور العصر بالنسبة للإسرائيليين، و التي تنص على منع وسائل المعرفة عن كل من هو ليس يهودي: ((نحن نعرف من تجارب قرون كثيرة، أن الرجال يعيشون و يهتدون بأفكار و أن الشعب إنما يلقن هذه الأفكار، عن طريق التربية، وأننا سنراقب ما قد بقي من ذلك الاستقلال الفكري، الذي نستغله استغلالا تاما لغايتنا الخاصة منذ زمن مضى، بإخضاع عقول الناس لنجعل الأميين، غير قادرين على التفكير باستقلال، ليبقوا كالحيوانات الطيعة)) (البروتوكول 17 من بروتوكولات حكماء صهيون).

فالشعب لا يجب أن يتعلم، وإذا كان التعليم هو الذي يفتح عيون الناس، فيجب إغلاق آفاق التعليم، وإلزام الشعب على الاكتفاء بلغة الزنقة، الدارجة، أو ما سماه الفرنسيون “الدياليكت”، و فسره مختلف الفلاسفة بأوصاف أقرب إلى الفوضوية، منها إلى أي شيء آخر.

و بالرجوع إلى القواميس، نجد الفيلسوف “كانط” يصف الدياليكت: “إبراز تماسك المتناقضات” و عند هيكل: “تفاوت الأفكار” و عند أفلاطون: “استدلال على وجه الاحتمال” و أرسطو يفسر الدياليكتية بـ “منطق الوهم”، لأنه مادام علمانيو العصر، يقدرون الخطر الذي يتهددهم عندما يتطاولون على الدين(…) فإنهم – وباتفاق مؤكد مع الصهيونيين – يريدون المساس بوسيلة التعليم، التي هي أساس العلم، بينما، فطن كبار العلماء لهذا الخطر، وكتب واحد منهم: ((الدين والعلم كتوأمين متلاصقين، فصلهما يؤدي إلى هلاكهما معا، لهذا يشترط في المدارس أن يكون الأدب الديني والأدب الوطني، أول ما يتربى عليه التلميذ)) (العالم أبو عبد الله السليماني 1880. كتاب اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي حول المغرب).

و مادامت الدارجة، هي لغة الأميين، و قد ظهر بالصوت و الصورة، أن المدافع عن الدارجة، هذه الأيام، هو المسمى عيوش، أميا “مكلخا” عاجزا عن تبرير خرجته المدرحة(…) بالنكهة اليهودية(…) مكتفيا بترديد “الدارجة زوينة” حتى شبهه أحد الصحفيين بالممثل المصري “يونس شلبي”، بطل مسرحية “مدرسة المشاغبين” فإن وصف عيوش بالنكرة(…) كما جاء على قلم السيدة أمينة ماء العينين التي عتبت على الأستاذ العروي، نزوله لمناظرة عيوش، فإن الخطر الحقيقي، هو أن حكاية التلويح بالاكتفاء بالدارجة، حصلت مع وصول الاستعمار للمغرب و شكلت أساس محاربة المغاربة للاستعمار، منذ أن اكتشفوا أن المغرب قبل احتلاله، كان مرتعا للمبشرين المسيحيين، الذين كانوا يبلغون رسالتهم باللهجة الدارجة، التي تعلموها في مدرسة المبشر المخطط لفتح الطرق أمام جيوش الاحتلال “شارل دوفوكو” (1858-1916) ولازال من بقي حيا ممن عانوا من حكام الاستعمار، يذكرون أن الحكام الفرنسيين كانوا يستعملون لغة “دوفوكو”: “انت يدوز من هنا”، “آجي كردف لمسيو”.

و كانوا في الواقع يمهدون لتطبيق سياسة المارشال ليوطي، الذي تشهد كل مؤلفاته، و كان مثقفا راقيا، أنه كان يخطط بمنتهى الدقة، فشكل لجنة بمجرد إمضاء عقد الحماية، في شتنبر 1912 قدمت له مشروعها في يناير 1913، أربعة شهور من بعد، ولاحظوا الجدية، و كان رئيس هذه اللجنة، يسمى المسيو “بيل” أحضره ليوطي مؤقتا من إدارته للتعليم في تلمسان، ليقسم المدارس في المغرب، على أساس التركيبة البربرية في البوادي ((البرابر ليس لهم حرف كتابة وعند الاضطرار يستعملون الحرف العربي، لذلك علمنا الراغبين منهم في القراءة، بالحرف اللاتيني، و قسمنا المدارس إلى مدارس لطبقة “الأنديجين”، ومدارس أولاد الشعب ومدارس المرفحين، أبناء الأعيان. و مادامت لم تكن هناك مدارس قبل ليوطي، فإنه يجب الإبقاء على الدارجة والبربرية للمرور رأسا إلى الفرنسية)) (l’œuvre Française d’Enseignement. R. gaudefroy – demombyns. Paris 1928).

و كان كل ذلك انطلاقا من القاعدة الاستعمارية التي تقول: (( إن المغربي الذي يعرف القراءة و الكتابة يمثل خطرا على فرنسا)) (Revue des Temps Modernes. Avril 1951).

و قد لا يكون مكان للاستغراب، ففي ذلك الزمن كان هناك أقطاب مغاربة، يساعدون على نشر و دعم هذه الأفكار الفرنسية، و ربما لازال هناك فاسيون أحياء، ممن كانوا أيام إعلان فرنسا للظهير البربري، يذكرون تواجد مفكر فاسي، كان يدعم اتجاه المحافظة على الدارجة، و كان هو أيضا يسمى عيوش، و قد أورد صاحب الكتاب العظيم، حاييم الزعفراني، في كتابه “ألف سنة من تاريخ اليهود” و هو يسرد أسماء اليهود و كتب ((من الأسماء المأخوذة من الكتاب المقدس: عمرام، و عيوش)).

و ربما كان عيوش هذا المعروف في فاس نتاجا لمرحلة الظهير البربري التي أعطت ((زمرة من الشباب ممن كانوا كلهم أو جلهم قرؤوا في مدارس فرنسية و لعبت بعقولهم تعاليم الفلسفة غير المنقحة، فأفسدت نظرهم في التدين)) (الفكر الإصلاحي في المغرب. تأليف د. سعيد بنسعيد العلوي).

حقا إنها ضجة أثارها هذا العيوش(…) وهو يلعب بالنار، محاولا بها أن يحرق الكيان العلمي والديني في المغرب، و من يدري.. و من يدري، و هو الذي عندما كان يذيع خزعبلاته الانفصالية في التلفزيون المغربي في ذلك المساء نفسه، كان ولده نبيل عيوش، يتلقى تحت قصف من تصفيقات الجزائريين، و من أيدي المسؤولة الجزائرية “زهيرة ياحي” جائزة تكريمية في مهرجان الفيلم الجزائري.

نفهم إذن، لماذا استنجد الزعيم المرحوم علال الفاسي بالفأس، الآلة الحادة، لكسر المخطط الاستعماري الكامن وراء فكرة تجريد المغاربة من وسيلة الثقافة، فخطب رحمه الله في المجلس الوطني لحزب الاستقلال سنة 1956 و قال: ((أسسنا لجنة الفأس(…) لهدم ما يلزم هدمه، لأن نظام التعليم الذي خلفه الاستعمار يقسم اللغة العربية، ليصبح جهاز التعليم يشمل قسم “الزنقاوية” و حزب الاستقلال لا يبرر استمرار ذلك التقسيم ونطالب وزير التربية، إلغاء ما يتعلق بمناهج العامية)) (رأي مواطن. علال الفاسي).

و عندما ظهرت بوادر العجز الحكومي المغربي، عن إصلاح ما خطط له الاستعمار، و جعلنا بعد خمسين عاما من التربية و التعليم نمارس تخبطنا فيها، على أيدي مجموعة من الجهلة المكلفين بالتعليم، حتى إذا هزلت سامها كل مفلس(…) من قبيل نماذج عيوش، ليقترح علينا الرجوع إلى أيام ليوطي، و هو ما شعر به قبل و قوعه، قطب الحركة الأمازيغية الدكتور محمد شفيق، الذي كتب: ((إننا نوجب على أنفسنا تعلم اللغة العربية، و إتقانها وتحبيبها إلى الناس، بل و نقدسها، لأنها إحدى اللغات التي نزل بها الوحي، وهي بذلك لغة الفرقان.. إننا نحن الأمازيغ نقدر العروبة و نؤاخيها بالإسلام و المواطنة)) (حوار مع صديق أمازيغي. عبد السلام يس).

و كان شفيق يحاور في رسالة له القطب الخالد(…) الشيخ المرحوم عبد السلام يس، الذي كتب محللا خطأ هؤلاء الذين يقترحون الاحتفاظ بلغة العامية، لغة الطفولة، لنتوقف بها عن الخوض في المستقبل، كما توصي بروتوكولات حكماء صهيون، و كتب: ((قضية حياتي و مماتي، إيماني بالله و رسوله و ليوم الآخر، فلا يضير قضيتي الكبرى، و لا يخدش في إيماني، أن تعلق بذاكرتي لغة طفولة(…) و  أهازيج جدة، و نكهة لهجة، و تركيبة حكمة، صاغتها عبقرية جدودي الشلوح و جدودي الأمازيغ، و جدودي الريفيين إلا كما يتنازع فرع الشجرة، جذع الشجرة)) (نفس المصدر).

و رحم الله القطب علال الفاسي الذي حكى يوما: ((إنه جاء عنده الشاب أحمد بلافريج، بعد رجوعه من الدراسة بفرنسا و قال له: إن العلم إذا أخذته بلغتك أخذته، وإذا أخذته بلغة غيرك، أخذك)) (النقد الذاتي. علال الفاسي)

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!