تلفازنا يغني..يضحك..يرقص،فهل نحن أمة تلهو؟

2014-07-26T17:56:26+00:00
منوعات
26 يوليو 2014آخر تحديث : السبت 26 يوليو 2014 - 5:56 مساءً
تلفازنا يغني..يضحك..يرقص،فهل نحن أمة تلهو؟

بقلم : عبدالواحد سعادي

من محزنات الأمور أن نرى كثيرا من برامج الاذاعة والتلفاز تحاول لاهثة أن تجري خلف التوافه من الأمور بشكل لافت للنظر،تبحث فيه عن كل مايضيع الوقت ،وما يحط من العزائم ،وما يخرج للمجتمع شبابا وشابات ضاع منهم الطريق ،ولم بعودوا يعرفون أين يتجهون ،لأن معظم ما ينقل إليهم من الداخل أو الخارج يتعلق بالرقص والغناء والضحك والمرح “والنشاط” وتضييع الوقت ،وكأنه لا هم لنا إلا هذه الأمور ،فلا جد عندنا ولا علم في جامعاتنا ولا مخترعات جادة تخرج من معاملنا ومراكز بحوثنا ولا نتاج ولا انتاج أدبي وفلسفي في ساحتنا غير الغناء والرقص.

معروف أن ما يقدم من هذه البرامج اللاهية العابثة يأتينا من دول كتركيا والمكسيك وبلاطات العائلات المتحكمة في كنوز البترول الخليجي ،فالمسيطر علينا حاليا في بيوتنا عبر جهاز التلفاز هو الخليجي والتركي والمكسيكي ،والراب والراي والرغى بعضه ضجيج بلا معنى ومعظمه من السوق العالمي المسيطر على أيامنا وأحلامنا وحركتنا اقتصاديا ونفسيا وعقليا وعسكريا وبالتالي سياسيا ،ومن هنا ارتبط ما يقدم الينا على شاشاتنا بسيطرتهم وتحكمهم فينا ،وبالتالي أصبح تقديم برامجهم للناشئة وللشباب من أبنائنا ولساكنة الوسط القروي السدج الذين اكتسحهم التلفزيون في اطار البرنامج الشمولي لتعميم الكهربة القروية ،أصبح كأنه تقديم “المثل” أو “النموذج” الذي عليهم اتباعه والاقتداء به وهذا بعد خطير من أبعاد التربية التي تنشأ عليها أجيال مغربنا ،ومحاذيره لا تخفى على ذوي الألباب.

ان بلادنا من الدول المتخلفة تئن ميزانيتها تحت وطأة الديون الخارجية لقلة عمل أبنائها ولضعف أسهامهم حتى في إطعام أنفسهم وكان حريا بنا أن يكون لنا منحى آخر في تربية الناشئة والشبابعلى الجدوالرجولة وحب العمل وبدل الجهود والحرص ،حتى يقف وطننا على أقدامه وحتى يخرج من ذل العبودية الذي يمثله الخضوع لأصحاب الأموال المسيطرة والمصالح المتحكمة”البنك الدولي” أولئك  الذين تكون لهم الكلمة العليا عند التفاوض والذين يفرضون إرادتهم عند توقيع الاتفاقيات.

ان الاعلام الذي يشتمل على جميع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة عليه مسؤولية خطيرة في توجيه الناشئة والشباب وفي تربيتهم ،وكان عليه أن يقدم لنا برامج جادة ومكثفة عن قيمنا وتقاليدنا العريقة ،عن الحياء ،عن الشهامة ،عن الاقدام والشجاعة والوفاء للوطن ،في ابتكارات رائعة من عند أنفسهم.

إن الحضارة لا تبنى بالرقص ،والتقدم لا يتم بالغناء ،والسباق بين الأمم ليس سبيله الضحك ،وانظروا في أحوال شعوب كانت حتى الأمس القريب في عداد المتخلفين،انظروا إليها اليوم وقد دخلت سباق العصر ،سباق التقدم ،وفرضت نفسها على العالم أجمع،تأملوا معي هل هناك في اليابان مغنية مشهورة عالميا.

كمطرباتنا الكبيرات ،تحن أحسن تصنيف عالمي من اليابان في الغناء والرقص والراب عندنا بالمغرب ملك الراي في العالم وليس لدينا بطل العالم في سباق المائة متر ،عندنا بالمغرب جمهور برشلونة أو البارصا بمئات الالاف من محبيها وعشاقها بينهم من يستطيع تصفية ذاته والموت في سبيل رفع راية البارصا الاسبانية لكن ليس بين هؤلاء الشباب المغاربةبمئات الالاف واحد كاللاعب ميسي،إننا فعلا شعب لا يحسن الا التفرج على الاخرين عندنا التفاهة وعندهم المعقول،فلنسأل أنفسنا كيف يعملون؟

وكم من الوقت يتعملون ؟وماذا يتعلمون؟ وكيف يطبقون ما يتعلمون؟وما هي سلوكياتهم في العمل؟وكيف يدرسون العالم الذي إليه يصدرون ما ينتجون؟وكيف يعودون لتحسين ماينتجون حتى تدين لهم الأسواق بالسيطرة.

انظروا كيف تتنافس اليابان وأمريكا في مجال التربية صانعة البشر ،لا في الرقص والضحك ولا في الغناء واللهو ،انظروا قنوات التلفزيون الياباني أو الكوري أو الألماني، وحاولوا أن تحللوا مايقدم فيها للبشر هناك ،وقارنوا ببنات لالة منانة ورشيد شو وغيرها من التفاهة ،منذ عشرين عام خلت ذهبت احدى اللجان الدولية من أمريكا واليابان وايطاليا لاحدى دولنا العربية تتعرف على حجم العمل الذي يؤديه العاملون فيها وتوازنه بالعمال لديها وبجهدهم ،وخرجت بنتيجة مذهلة تقول بأن العامل في ذلك البلد العربي يعمل عشر ما يعمل العامل الأمريكي ،وثمن ما يعمله الياباني،وسبع ما يعمله الايطالي،والكارثة أن الذي أعلن هذا الكلام أو هذا البلاغ للصحافة،كان رئيس الوزراء في ذلك البلد،هل يغضب بعضنا حين نقول أن الألمان قد فرضوا على أنفسهم أن يعملوا يوميا ولمدة ساعتين بالمجان عقب الحرب العالمية الثانية حتى يساطيعوا إعادة بناء مجتمعهم الذي خربته الحرب بل مزقته وطحنته ،هل تنظرون كيف استطاعت اليابان أن تقفز على سلم الحضارة في فترة قياسية عقب الحرب العالمية الثانية التي طحنتها ودكتها وخربت كل شيء فيها بالقنابل الذرية ،كيف كدوا وتعبوا ،كيف واصلوا الليل بالنهار قراءة وعلما وتبحرا وفهما واستيعابا فهل لدينا برامج بالتلفزيون عن المغرب يقرأ، عن المغرب يجد،عن المغرب يبدع،عن المغرب سباق الرياضيات ،سباق الأدب،سباق الابداع والابتكار ،طبعا لاشيء من هذا سوى هز  البطن ،والراب يدوي كالرعد والخليجي النابع من فوهات براميل الزفت ،حتى رقص الفقيه وتبعه بعض الوزراء بالرقص .

ان الاعلام المسؤول أمانة ثقيلة على أكتاف الذين يتولونه لانه يمثل دفة سفينة المجنمع في بحر الحياة العالمية الهادر ،والذين يعون هذه المسؤولية ويقدرونها حق قدرها اليقين،حقيقة طريقها سهلة،وهذا من طبائع الأشياء والأمور،ولكننا بحاجة لمن يقبض على الدفة بيد قوية أمنية تعرف دروب الطريق الصعب ،طريق العلم والجد والسهر والتعب ولكنه طريق التقدم والعزة.

انظروا الى القوى البشرية الهائلة المعطلة في بلدنا ،انظروا الى خريجي المعهد العالي للصحافة المعطلين وانظروا من يحل محلهم بالتلفزيون المغربي ،انظروا الى منشطي البرامج التلفزيونية ،انظروا الى ألرض الله التي حبانا بها وفي تنوعها بين السهل والجبل والغابة والصحراء وبين الساحل والداخل وتفحصوا في انهارنا وفي بحورنا وبحيراتنا ،واعيدوا النظر فيما عندنا من خيرات فوق سطح الأرض وفي باطنها ،ثم تفكروا في أنواع المناخات التي حبا الله بها وطننا،قم لنسأل أنفسنا جميعا ن هل تلفازنا في مستوى الطبيعة؟ كيف يكون لدينا كل ذلك ثم يكون حاليا هو ما نحن عليه الآن ،ولماذا؟ إن هناك خللا لا شك فيه، وهو على وجه اليقين في أنفسنا في تلفزتنا ،في تربيتنا ،في قصورنا وعدم فعلنا ،في كثرة كلامنا،وفي الاتساع الهائل بين كثرة ما نقول وندرة ما نفعل ،في لهونا وعدم جدنا ، في تضييع أوقاتنا في تفرجنا على الاخرين،وعدم اقبالنا على الاستفادة الجادة الواعية مما نرى ونسمع ونقرأ لأننا نعمل جادين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم”الحكمة ضالة المؤمن إن وجدها فهو أحق الناس”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!