حينما يصبح التعليم ضحية المجتمع

2016-01-15T09:22:04+00:00
اقلام حرة
14 يناير 2016آخر تحديث : الجمعة 15 يناير 2016 - 9:22 صباحًا
حينما يصبح التعليم ضحية المجتمع

ذ. محمد معروف

أصبحت خوصصة التعليم  واقعا مفروضا يجب معالجة قضاياه والتعامل مع إكراهاته، رغم  مناهضة الكثير منا هذا التوجه في بلد متخلف كالمغرب، و بالتالي أضحينا أمام واقع يٌحتّم علينا النهوض بكوادر هذا القطاع، ليس عبر ترسيب عدد من خرّجي المراكز الجهويّة، ووضعهم رهن إشارة  “شفرة”  القطاع الخاص، كما هو مخطط له الآن من طرف بعض الساسة ذوي بعد النظر، بل بالعكس ، يجب تكوين جميع الأطر التعليمية في إطار التعاقد الشفاف، والتوزيع العادل بين الحكومي والخاص… وفرض دفتر تحملات ملزم، يعطي للأستاذ في القطاع الخاص امتيازات قد تفوق الامتيازات التي يحظى بها نظيره في القطاع العام… آنذاك لن نلاحظ هذا التدافع نحو القطاع العام، بل بالعكس… الكثير من الأساتذة سيفضل الذهاب إلى القطاع الخاص (أنظر ما يقع في قطاع الصحة من مغادرات، ونزوح إلى القطاع الخاص، نظرا لدسم أطباقه… وهذا ما لا نتفق معه ألبته، لأن أسفل الهرم الاجتماعي هو من يدفع الثمن لعدم قدرته على تغطية نفقاته الصحية).

إن الكثير من أطر قطاع التعليم الخاص تشتغل في “النوار” أو ما شابه ذلك، هذا بالرغم من أن هذه المؤسسات الخاصة  تُنهك جيوب آباء التلاميذ بواجبات شهرية سمينة، ولا ندري أين تذهب عائدات هذه المدارس التي تستفيد من تخفيض ضريبي، وتستنزف طاقات القطاع العام في إطار الساعات الإضافية…لو كانت هذه المدارس تنتمي لشركات وطنية كبرى لكان الأمر أهون علينا، وبالتالي “زيتنا في دقيقنا”، إذ ستذهب تلك النقود لتنمية الاقتصاد، وربما فُرِض عليها تأهيل بعض المؤسسات من القطاع العام .

لكن ما نشاهده الآن هو قمة التناقض في مجتمع يُنفق أموالا طائلة على القطاع العام…ونُخَبه تبدد مالها على “مالين الشكارة ” الذين يديرون مدارس خاصة، منهم من كان عونا في مؤسسة عمومية، فأصبح مديرا لمؤسسة تعليمية، ولا ندري من أين أتى بهذه الكفاءة ، وهذا المدير أصبح يوظف ويقرر في مصير هؤلاء الخرّجين الذين يريد الوزير الأول أن يرمي بهم في آتون هؤلاء، و أغلبيتهم سماسرة يقتنصون الطلبة المتوسطين، و يتهافتون عليهم لأنهم يشكلون  يدا عاملة رخيصة، ونظرا لعدم تفوقهم في الدراسة، و قلة فرصهم في الحصول على وظيفة أفضل، هذا ما يجعلهم خنوعين طيعين في يد مشغلهم، إذ لا يتوفرون في غالب الأحيان على نقابة تدافع عن حقوقهم، و يتم وضعهم في الأقسام لاكتساب الخبرة، ورغم التفتيش والدورات التكوينية، لا يمكن مقارنتهم بأساتذة القطاع العام، ولا داعي للتذكير بالاستثناءات ، فغالبا ما يظل تكوينهم باهتا.

و يستمر الاستنزاف على مدار السنة، إذ أن أولياء التلاميذ منخرطين “بالمعقول” في هذه المهزلة، يقومون بإيصال فلذات  أكبادهم بالسيارات إلى أبواب هذه المؤسسات و”أولاد الشعب” يأخذونها سيرا على الأقدام أو يركبون حافلات ” شي فوق شي”…السؤال المطروح على هذه الفئات المتوسطة التي تُقلّد النخب السائدة، وتبحث عن تطليق الشعب “بالثلاث”، ماذا تُعد إذن في جُعبتها للمستقبل؟ ……يبدو أننا على الدرب سائرون، و في الطريق ماضون  نحو نظام التقسيم الاجتماعي في نسخته المغربية، بعد معاناة هولندا للخروج من برا تينه … ألا تلاحظون معي أننا أنشأنا مدارس للشعب ، وأخرى للطبقات المتوسطة أو النخب المزيفة، وأخرى للنخب السائدة، وكذلك مصحات ومستشفيات ووسائل نقل لكل فئة على حدا، و لازالت  هناك سوى الإدارات والشارع بوصفهما مجالا عاما مشتركا رغم أن الإدارة ليست لها نفس الأبواب ، و حتى البحر والحدائق هم الآن  في طريقهم إلى التقسيم …سيندم المجتمع لا محالة عن إتباع هذا المسار.

في عهد الملك السابق ، ورغم ما يقال عن سنوات الرصاص، تخرّج  “أولاد الشعب” قضاة، وأطباء، ومهندسين… لكن للأسف الشديد، أغلبية هؤلاء تنكروا لماضيهم وبؤس أسرهم، فأحدثوا القطيعة مع الفقر وأذنابه، وتسللّوا إلى فضاءات الغنى ومظاهره.

ما مصير هذه الأموال التي تذهب إلى “مالين الشكارة”، وتحقق الأحلام الطفولية لنخب تريد أن تضع المغرب على سرعتين ، سرعة السلحفاة في القطاع العام، وسرعة القطار في القطاع الخاص … و هكذا تضيع على أبناء هذه الأمة تكافئ الفرص… كان من الأجدر أن تذهب هذه الأموال لتجهيز القطاع العام، و إدماج  “أولاد الشعب”  بجميع شرائحهم في تعليم مُنَمْذَج موحّد.

والمضحك في هذا الوضع، هو أن خيرة الطلبة المتفوقين الذين يجتازون مباريات مراكز التكوين، يلجون القطاع العام، لكن أغلبيتهم تُوزّع بعد التخرج  على القرى والمناطق النائية، مما يؤدي حتما إلى تدني مستويات بعضهم في التكوين ….

ستظل أزمة هذا التعليم الفئوي قائمة… والمغرب يدفع الفاتورة سنويا من جراء هذا الشرخ الحاصل بين   “ولاد الأَلِبّة ” و”أولاد الشعب”، ويجب أن تَعلم هذه الفئات الاجتماعية المتماهية الهجينة أن شرائها لبطاقات التمدرس في القطاع الخاص، و”فِيلَلْ” في أماكن راقية، وسيارات لن تغير من حياة الزيف التي تعيشها، فبطاقاتها وهوياتها مزورة لأنها لن تصل إلى مستوى النخب السائدة التي ترسل أبناءها إلى مدارس البعثات ، ثم إلى الخارج،  ويعود هؤلاء إلى مراكز القرار التي تنتظرهم في دواليب السلطة.

حان الوقت لإعادة النظر في المنظومة التعليمية بأكملها، إما أن نُسابق السلحفاة وهذا أصبح غير ممكن في زمن العولمة السائلة ، وإما أن نركب القطار السريع ، دون أن نترك راكبا على الأرض، ويتوقف قطارنا في جميع المحطات وقوفا إجباريا، وتصل خطوطه إلى جميع أنحاء المملكة… إن القطاع الخاص في أوروبا تُسيره شركات عملاقة وليس “مول الشكارة” … من المهانة أن تصبح المدرسة بمثابة “بيسري” مقاولة صغرى، حيث يمكن لإحدى النساء أن تهيئ طابق منزلها السفلي، وتضع على بابه اسم “ماما نجية” مثلا ، وتصبح معلّمة الحي…أهكذا سيقلع مغرب العلم والمعرفة؟؟؟؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!